المجتمع الذي نريد

صنارة نيوز - 2015-02-26 08:46:57

بقلم عصام قضماني: منذ سنوات طويلة قرأت كتيبا يحمل هذا العنوان, لا أذكر اليوم كاتبه لكنه من القيادات الاسلامية المعروفة, أظنه فتحي يكن أم محمد قطب أم غيرهما لا أذكر, لكن الكتيب الذي عاودت البحث عنه فلم أجده للأسف ربما في محتواه جاء آنذاك في وقته للرد على تيارات برزت تحديدا عقب هيمنة الثورة الاسلامية على إيران , لم تكتف باقامة الدولة الدينية شفاهة بل تحمست اليها بالقوة, بدءا من الشارع الذي تفاعل مع الثورة الاسلامية شكلا قبل أن يدخل الى عمقها , وقد كانت الأمة كما هي اليوم على مفترق طرق , وكما كان الدين المفصل آنذاك هو اليوم كذلك في شأن الخلاف في وجهات النظر حيال كثير من المفاهيم وهو الخلاف الذي تطور من لغة العقل والحوار الى لغة السيف بين كل الفرقاء.
هذه مقدمة لأزمة في وصف جدل لم يكتب له أن يستمر محليا بحمد الله لكنه ظل مستعرا في الجوار ومنه في العالم حول الدولة الدينية والدولة المدنية كما وردت في خطبة لرئيس الوزراء حول التطرف والارهاب , وفي الكتاب سالف الذكر , يحذر فيه الكاتب من مفهوم خاطئ أراد به البعض تكريس الاسلام كأداة انغلاق وتكميم أفواه وحظر حريات وتعليب مفاهيم ومبادئ, والحقيقة أن اللادينيين في تلك الحقبة هم من سعى الى تأجيج الخلاف ووضعه في قالب عنيف وقد كانت حجتهم التي أريد بها باطل , ليس لهدف سوى توسيع رقاع الشقاق والتناحر فكان التطرف هو الفائز الوحيد.
المفارقة أن جماعة مثل الاخوان المسلمين مثلا لم تحتج ولم تنبس تيارات إسلامية ببنت شفة , لكن من قاد الجدل حول مفهوم الدولة المدنية في خطبة الرئيس النسور ضد التطرف والارهاب كانوا من المحافظين ودعاة الدولة المدنية كما نظن.
لا أحسب هؤلاء يريدون قيام دولة دينية في الأردن , وهو ما لم تطالب به حتى اللحظة تيارات إسلامية عريضة اكتفت بالتمسك بمبدأ الاسلام هو الحل دون فرض , وإن كان ما تفضل به المتصدون قد جاء على سبيل المناكفة , فإن الجدل الذي أثاره لم يكن كذلك , لأن الأردن الذي يواجه معركته ضد الارهاب لا يواجهها فحسب بالسيف إنما بالدولة المدنية التي تحترم الدين ولا تحترم التشدد فيه وتهتدي بتعاليمه ولا تأخذ بمغالاة البعض في مفاهيمه.
الأردن ليس دولة دينية وهو لا ينكر الدين , لكنه يسعى لأن يكون دولة مدنية تتجذر فيها مفاهيم الديمقراطية وحرية الرأي والشعائر دون تطرف وبلا عزلة ولا تجريم.
الأردن ليس دولة دينية , فلا يحكمه رجال دين , ولا يتولى أئمة المساجد فيه تطبيق القانون ولا إصدار الأحكام , فلا تنتشر في شوارعه مجموعات الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ولا يؤاخذ الناس فيه على أشكالهم ولا على سلوكهم إن إلتزموا ناصية الاعتدال , ولا تجبر المرأة على إرتداء الملاءات ولا لإخفاء الوجوه وليست الشريعة أساس العلوم ولا هي مبادئ متفردة لأصول الحكم وفض النزاعات.
لا أظن أن شخصيات وازنة قد قصدت في تصديها لمفهوم الدولة المدنية باعتبارها ضد الدين تنكره وتعاقب من يتبعه , ولا أظنها تريد أن تتشكل الحكومة يوما ما من شيوخ على رأسهم إمام ولا هم يفكرون بالمشاركة فيها.
لا يستوى أن نطالب رئيس الوزراء بتصويب وصفه أو الاعتذار عنه , بل يجدر بالمعترضين أن يوضحوا مقاصدهم , عن سؤال المجتمع الذي يريديون ؟
الاردن ليس دولة دينية ولا دولة علمانية هو دولة مدنية تسعى لأن نلبي متطلبات قيام مجتمع مدني يعزز مفهوم المواطنة لاعتبارات مدنية صرفة تستوعب الدين والعصبيات طائفية أو عشائرية وحتى أيدلوجية فللأديان مكانتها كما لكل الأفكار والمبادئ الأخرى مكانتها أيضا تحت ظل قانون مدني يحفظ حقوق الناس في الفكر والمعتقد في إطار مؤسسي واضح ومستقر هو الديقراطية بكل أذرعها وهياكلها المعروفة.
الأردن دولة تسعى لأن تكون مدنية , المواطنة وشروطها وحقوقها واستحقاقاتها هي محورها ومركزها, هذا هو الأردن الذي نريد.