المماطلة، والمبادرة، والوطنية!

صنارة نيوز - 11/02/2024 - 5:41 pm  /  الكاتب - أحمد سلامة

استحي ان اكتب في امور الرياضة، فعلى مدار انغماسي في مهنة الكتابة التي تلامس الخمسين عاما خلت لم اتجرأ الاقتراب من هذا الموضوع لعدم درايتي اولا به ولشدة الحذر من تبعات الانغماس به على الصعيد الوطني في امر مختلف على دوافع التحريك السلبي له احيانا كثيرة.. لكن بالامس تعرضت لتجربة شخصية دفعتني أن الامس على رؤوس الاصابع موضوع الرياضة بكرة القدم على معنى الحصر

(اذ لم تنفع كل محاولات جار الهنا، الصديق والابن الحبيب اسامة من تثبيت الصورة للمباراة الوطنية وانتقلنا لبيت آخر وثالث في داخل مبنى سكننا وفشلنا وانا السبعيناتي الذي لم اعر أي اهتمام بكرة القدم وجدت نفسي حزينا ومتعاطفا مع الاحفاد (تيم وطلال) لشدة تشبثهما باية وسيلة لمشاهدة الكرة ورحت ابحث عن وسيلة لمنحهما الفرصة مشاهدة المباراة وكذلك فعل اسامة الاب

 

في كل جبل عمان لم نعثر على كرسي واحد كي نتمكن من مشاهدة المباراة.. وبعد جهد مستفيض عثرنا باعانة صديق مصري (محمد) على متسع لنا نحن الاربعة في مكان بقاع جبل عمان…

 

عقب انتهاء المباراة لم يكلمني الاحفاد.. كانوا مهمومين حزانى ومشيناها (كأنها خطى كتبت علينا) من قاع جبل عمان حتى الدوار الثاني… كان ذلك المشوار امس احدى مفترقات التفكير واحدى المنطلقات الجديدة… كانت عمان بسياراتها ومحلاتها وبشرها وبطيورها

بايقاع خطى اطفالها واجمة متألمة، وصامتة…

 

لقد قفزت الى ذهني جملة من صور في مشوار امس لانني الاحفاد والاولاد قد تركوني اتأمل مناظر الطبيعة والبشر وكل انغمس في همه الخاص

 

الصورة الاولى: ان المباهاة وتقديم الجغرافيا والحزب والتنظيم والعشيرة والقبيلة والطائفة والتدين كعناصر تحريك فاعلة في حياة العرب

تبقى قاصرة، ولن تسهم في تأصيل الضمير الوطني ومهما كان دعاة تلك العناصر التي تستنفر في لحظات معينة بريئة وحسنة فإنها لن تكون مجدية مثل جدوى (الوطنية) الهوية العربية وازعم انه لا يوجد تكوين عربي لاي بلد في الوطن العربي فيه عروبة في الثنايا والخبايا

مثل (وطننا الاردني)

 

لا بد من انتشال فكرة الانتساب دوما للهوية الوطنية واللوذ بها والدفع بها الى وجدان كل الاردنيين، ما رأيته من حزن صامت حقيقي امس يحتم على المسؤولين والمعنيين (ثقافيا وسياسيا وجامعيا ومعرفيا ورياضيا) عدم التباطؤ والبناء لفلسفة وطنية اردنية تستلهم من اجماع الاردنيين امس رؤية جديدة عن ذاتهم وان يبرحوا الافكار المركبة والمستوردة مثل (الهوية الجامعة) و(الهوية الفرعية) والتناحر

القبيح ذات الدوافع المعادية في تلبيس الرياضة لبوس الفرقة والتناحر بافتعال انتسابات مدمرة.

 

الصورة الثانية: الدولة الاردنية لها ميزات خاصة بها شكلت فائض قيمة تمييزية للاردنيين على من دون سواهم، ولا اقول ذلك في باب النرجسية الوطنية بل في مجال الاستفادة من التجربة الاردنية لمن يريد أن يضيف إلى تجربته قيمة إضافية… ولعل اهم ميزة اردنية على المستوى الوطني كانت اعتمد النظام الهاشمي منذ ما ينوف عن ١٠٠ عام.

 

(المبادرة وتجنب المماطلة)

 

إن واحدة من عناصر زوال الناصرية والفتحاوية والبعثية او ضعفها (اقول ذلك حياء) هو المماطلة فـ عبد الناصر ظل يماطل في العلاقة بين

(العسكري) ممثلا بعبد الحكيم عامر والسياسي بشخصه هو منذ سنة ١٩٦١ سنة تبخر الوحدة الثانية السورية المصرية بعد الوحدة الاندماجية الاولى (الاردنية الفلسطينية) حتى عام ١٩٦٧م وكانت كارثة امة ولو حسم عبد الناصر الامر لما وقعت مأساة الامة على يديه

سنة ١٩٦٧م، ولقد كان نبيلا واعترف بذلك وتحمل المسؤولية

 

وظلت هذه الصفة المماطلة احدى مزايا نظام الحكم المصري الذي اودى لاحقا (بـ مبارك) إذ ظل يتدرج في معالجة امر انتفاضة الربيع العربي عليه حتى وصل للمحكمة منددا على سرير بيننا الذي تآمر على اسقاطه قد واجه الموت واقفا بكل اباء وشمم اعني (الشهيد صدام حسين).

 

كما أن المماطلة كانت صفة لازمت المدرسة الفتحاوية منذ الانطلاقة في عدم تحديد هويتها حتى لعبة التدرج في التعاطي مع (يهود) والاعتراف بهم لقد كلفت هذه المماطلة اهل فلسطين كلفة دموية باهظة والله اسأل ألا يحذوا خصوم فتح ذات المنهج

 

ولست بحاجة التعريج على تجربة البعث فالنتائج ماثلة لا تخطئها العين،

 

كانت التجربة الهاشمية اكثر التجارب ابتعادا عن المماطلة واتخاذ اجراءات جراحية في الحال حين تحتاج المسيرة الى اجراء حتى لو كان مؤلما او صعبا واليوم فإن فكرة الرياضة والشباب تحتاج إلى مبادرة تاريخية خارج صناديق التفكير التقليدية للاستفادة من معنى الاجماع الوطني المذهل الذي اصطف الاردنيون كلهم او بالغلب اغلبيتهم حول فكرة النصر حول فكرة الفوز الاردني، بحاجة الى فوز ويحتاج

الى ان نتلفت لخطورة الشباب

 

كانت عمان امس قبل السادسة وهي تخفق باعلامها وبحماس شبابها وشاباتها شيئً له مغزاه وحين حزنت بالليل كانت ايضا شيئً كله عبر لمن يريد ان يعتبر

 

الصورة الثالثة: المبادرة.. نحن نحتاج الى مبادرة وطنية جامعة شاملة تجاه الشباب

 

امس كان الامتحان عابرا لفكرة الحزبية والمناطقية والطائفية.. أمس برهن الاردنيون على اننا مجتمع متعلق بطموحاته الوطنية واننا راغبون بتخطي ازماتنا وفقرنا وتواضع امكاناتنا لذا فان المبادرة الوطنية التي بالضرورة ان تصب في مصلحة كل الاردنيين وإلا نعود نتحدث من جديد عن ازمة الهوية كلما تحركت كرة للقدم بين ارجل لاعبين هذا النادي او ذاك

 

الاردنيون أمس الهموا من يريد ان يستلهم الحلول الوطنية قصة، اردنية جديدة وحكاية وطن يسعى الى التميز

 

الصورة الرابعة: ثمة أمر لافت حد القلق، إذ قررت الحكومة التبرع بمليون دينار للمنتخب الوطني وامسكت القوى الوطنية التي تمسك بزمام

(المال) عن الفعل، هل يعقل لحكومة مثقلة بكل هذا العبء ان تبادر لدعم مالي مليوني للمنتخب وان يمسك اغنياء المال الحلال من عن بسط ايديهم لقضية وطنية

 

انا لست ولن اكون مع الفرز الطبقي الجائر لكنني لا احب الغنى الفاحش، بل احب تجربة طلعت حرب في التاريخ الذي سخر المال لصناعة الفن المصري واضحى اهم انجازات الاشقاء المصريين

 

لماذا كل هذا البخل من اثرياء كانوا دوما كرماء على انفسهم ولم يتقدموا الصفوف للبذل في قضايا الوطن.. كان لدى اغنياء هذا الوطن

فرصة او عدة فرص للبرهنة على انهم من جلدة هذا الوطن ومن عظمه وهم كذلك ان شاء الله… الغارمات ملف كان يجب ان يحسم من لدنهم في مناسبات وطنية عديدة وملف صندوق طلبة الجامعات واخيرا دون التوسع بالحديث كي لا نصبح شكائين الفريق الرياضي الوطني الا يستحق منكم وقفة (تهيلون المال) بين يديه

 

لا تماطلوا فان الوطن يختبر ابناءه الاغنياء كما يختبر الجيش فالجيش منذ معارك باب الواد حتى الان ما خذلنا ونأمل من الله ان يهدي اغنياء البلد إلى مبادرة خلاقة وهم المستفيدون

 

ونقول كفى مماطلة فالمماطلة لم تكن احدى صفاتنا سابقا

 

ختاما…

 

بلد قيادته التاريخية تفسح المجال (لـ ابن وائل الدحدوح) كي يتوسط بين (الحسين) و(هاشم) ولا يتنحنح الاغنياء بمبادرة!!

 

احس أن في الأمر خطأ يحتاج الى اعادة نظر..