منع عمدة برشلونة من دخول إسرائيل: فرصة لتصعيد التضامن مع فلسطين

صنارة نيوز - 22/08/2025 - 6:17 pm

د. راسم بشارات

قرار السلطات الإسرائيلية منع عمدة برشلونة، جاومي كولبوني، من دخول الأراضي المحتلة، ليس مجرد إجراء إداري عابر، بل حلقة جديدة تكشف عن ضيق إسرائيل بأي صوت دولي ينتقد سياساتها، حتى لو جاء هذا الصوت من واحدة من أبرز العواصم الأوروبية في مجال الديمقراطية والتعددية.

وبحسب ما أورده موقع واللا الاستخباراتي، جاء قرار المنع بذريعة “تشهير العمدة بإسرائيل ومشاركته في حملات مقاطعة لها”. وكان كولبوني قد طلب زيارة مؤسسة “ياد فاشيم” في القدس المحتلة، إضافة إلى عقد لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين، غير أن السلطات الإسرائيلية قررت رفض طلبه بشكل نهائي.

خلفية القرار: برشلونة في صف فلسطين

هذا التطور جاء بعد أيام قليلة فقط من قرار مجلس مدينة برشلونة بقطع العلاقات المؤسسية مع الحكومة الإسرائيلية، وتعليق اتفاقية التوأمة مع بلدية تل أبيب. القرار، الذي تقدّم به الحزب الاشتراكي الحاكم في المدينة وحظي بدعم أحزاب اليسار، دعا إلى تجميد جميع أشكال التعاون مع إسرائيل “حتى تحترم القانون الدولي والحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني”.

 

موقف بلدية برشلونة لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي والتاريخي لإقليم كتالونيا. فهذا الإقليم، المعروف بتراثه السياسي التقدمي، اعتاد أن يتبنى مواقف تضامنية مع الشعوب التي تعاني من الاحتلال أو الاضطهاد. التجربة التاريخية للكاتالونيين مع القمع والبحث عن تقرير المصير جعلت من قضيتهم أقرب إلى فهم ودعم النضال الفلسطيني.

 

من هنا، يصبح تضامن بلدية برشلونة مع فلسطين امتدادًا طبيعيًا لتقاليدها السياسية والاجتماعية، وهو ما يفسر الحضور المتزايد للقضية الفلسطينية في النقاش العام داخل الإقليم.

خطأ استراتيجي إسرائيلي وتداعياته

منع كولبوني من دخول إسرائيل يمثل خطأً استراتيجيًا من جانب تل أبيب. فبدلاً من إسكات الأصوات الناقدة، يساهم هذا القرار في تعزيز صورة إسرائيل كدولة ترفض أي مساءلة دولية، ويزيد من قناعة الرأي العام الأوروبي بأنها دولة لا تتحمل النقد ولا تلتزم بأبسط قواعد الديمقراطية.

 

وعلى العكس، فإن هذه الخطوة منحت برشلونة موقعًا مركزيًا في النقاش الأوروبي حول فلسطين، وحول جدوى استمرار التعامل الطبيعي مع إسرائيل رغم سجلها الطويل من الانتهاكات.

هذه الحادثة يمكن استثمارها لتوسيع دائرة التضامن مع فلسطين على عدة مستويات:

  1. التأكيد على جدوى المقاطعة المؤسسية كأداة ضغط فعّالة في مواجهة الاحتلال.
  2. تعزيز دور المدن الأوروبية كلاعبين سياسيين مستقلين قادرين على التأثير في الرأي العام الدولي بعيدًا عن مواقف الحكومات المركزية.
  3. بناء تحالفات جديدة بين برشلونة ومدن أوروبية أخرى مع المؤسسات الفلسطينية، بما يعزز القضية في المحافل الدولية.

 

خاتمة

 

 

منع عمدة برشلونة من دخول إسرائيل لن يوقف التضامن الكتالوني مع فلسطين، بل سيضاعف من قوة هذا التضامن. هذه الواقعة يمكن تحويلها إلى نقطة انطلاق جديدة لتصعيد الضغوط على إسرائيل، ولإبراز أن القضية الفلسطينية لم تعد حكرًا على الشرق الأوسط، بل صارت قضية أوروبية أيضًا، تعبّر عنها مدن كبرى مثل برشلونة.

 

لقد أرادت إسرائيل إسكات صوت نقدي، لكنها منحت القضية الفلسطينية منبرًا أوسع، وأكدت أن الاحتلال لا يواجه بالمديح وإنما بالمقاطعة والضغط المستمر.