اعتداء المستوطنين على تجمع بدو العراعرة شرق القدس: بين مشروع E1 وسياسة التهجير القسري
صنارة نيوز - 25/08/2025 - 10:20 pm
اعتداء المستوطنين على تجمع بدو العراعرة شرق القدس: بين مشروع E1 وسياسة التهجير القسري
منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة
وثقت منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة اعتداءا جديدا مساء يوم الاثنين ٢٥ آب ٢٠٢٥، نفذته مجموعة من المستوطنين برفقة قوة من الجيش الاسرائيلي استهدف تجمع بدو العراعرة القريب من بلدة جبع شمال شرق القدس المحتلة، في اعتداء جديد ينضم إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات الإسرائيلية ضد التجمعات البدوية في الضفة الغربية. ووثقت المنظمة قيام مجموعة من المستوطنين المسلحين، يرافقهم جنود الاحتلال، باقتحام المنازل البسيطة في التجمع، ومحاصرة الأهالي داخل بيوتهم، قبل أن يعتدوا عليهم بالضرب والتهديد. وأسفر الاعتداء عن إصابة المواطن عطا الله عراعرة، بينما اعتُقل أحد سكان التجمع، وسط حالة من الهلع والذعر التي اجتاحت النساء والأطفال. الأسوأ من ذلك أن قوات الاحتلال منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصاب، تاركة إياه ينزف في مشهد يلخص حجم القسوة التي تحكم العلاقة بين السكان الأصليين وقوة الاحتلال.
منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، التي تابعت تفاصيل الحادثة، أكدت أن ما جرى ليس مجرد حادث فردي عابر، بل يعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تفريغ التجمعات البدوية من سكانها ودفعهم قسرًا نحو الرحيل. هذه الرؤية تتضح أكثر إذا ما وضعنا ما يجري في بدو العراعرة في سياق أشمل، وهو مشروع الاستيطان المعروف E1، الذي يهدف إلى ربط مستوطنة معاليه أدوميم بمدينة القدس وقطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها. وجود التجمعات البدوية في هذه المنطقة يمثل العقبة الأكبر أمام استكمال هذا المشروع الاستراتيجي، ولهذا تتحول حياتهم اليومية إلى سلسلة من الضغوط والاعتداءات الممنهجة لإجبارهم على ترك أراضهم.
وتفيد الصحفية اسيل مليحات مسؤولة وحدة الاعلام في المنظمة بأن السياسة التي تنتهجها سلطات الاحتلال لا تقتصر على الاعتداءات المباشرة من المستوطنين، وإنما تتجسد أيضًا في منع البناء وتجريم أي محاولة لترميم البيوت، وفي هدم المساكن والخيام والمنشآت الزراعية بشكل متكرر. كما تُحرم هذه التجمعات من أبسط مقومات الحياة مثل الكهرباء والمياه والمدارس والطرق المعبدة، لتتحول حياتهم إلى صراع يومي من أجل البقاء. الهدف من ذلك واضح: جعل استمرار العيش في هذه الأراضي أمرًا شبه مستحيل، بحيث يغدو التهجير القسري خيارًا مفروضًا لا مفر منه.
من الناحية القانونية، تشكل هذه الممارسات انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، وتحظر في الوقت نفسه تهجير السكان الأصليين قسرًا من أراضيهم. الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، بما في ذلك مشروع E1، يدخل في خانة جرائم الحرب وفق تعريف المحكمة الجنائية الدولية، التي أكدت منذ عام 2021 أن لها ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة في فلسطين. كما أن مجلس الأمن الدولي في قراره 2334 لعام 2016 شدد على عدم شرعية الاستيطان وطالب بوقفه فورًا، غير أن إسرائيل تواصل تجاهل هذه القرارات في ظل غياب أي إرادة دولية فعلية لتطبيقها.
ويؤكد المحامي حسن مليحات المشرف العام على المنظمة بأن ما يجري لا يمكن حصره فقط في لغة القانون والسياسة. إذ أن الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لهذه الاعتداءات أشد وقعًا وربما أكثر خطورة على المدى الطويل. الأطفال في تجمع بدو العراعرة ينشأون في بيئة يسودها الخوف والحرمان، حيث تتكرر مشاهد الاقتحامات الليلية والمواجهات المسلحة، وحيث تغيب المدارس والخدمات الصحية، وهو ما يحرمهم من أبسط حقوق الطفولة. هؤلاء الأطفال يكبرون محاطين بالتهديد المستمر، الأمر الذي يترك ندوبًا نفسية عميقة تلازمهم مدى الحياة.
أما المجتمع البدوي ككل، فهو مهدد بالزوال. مع فقدان الأراضي المخصصة للرعي، وحرمان العائلات من مصادر رزقها التقليدية، يتآكل النمط المعيشي الذي حافظت عليه هذه المجتمعات لقرون. إن خسارة الأرض والرعي ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي تفكيك لبنية ثقافية كاملة، حيث أن البدو لا يفقدون مصادر دخلهم فقط، بل يخسرون نمط حياتهم وتقاليدهم المرتبطة بالطبيعة والأرض.
وفوق ذلك كله، تؤدي الضغوط المتزايدة إلى تفكك الروابط الاجتماعية داخل هذه التجمعات. الأسر التي تُنهكها الاعتداءات والحرمان تُضطر للنزوح نحو المدن أو المخيمات، ما يعني خسارة جماعية للهوية والروابط التقليدية التي طالما شكلت مصدر صمود للمجتمع البدوي. النزوح هنا ليس مجرد انتقال جغرافي، بل اقتلاع كامل من البيئة الطبيعية والثقافية، وهو ما يضرب في العمق النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
وينوه مليحات بأن البعد الاقتصادي لا يقل خطورة عن غيره. فالتجمعات البدوية تعتمد على الرعي وتربية المواشي كمصدر رزق أساسي، غير أن الاحتلال يضيّق عليهم مساحات الرعي، ويمنعهم من الوصول إلى الأراضي المفتوحة، ويغلق المراعي بحجج أمنية. ومع كل اعتداء أو إغلاق عسكري، يُحرم السكان من مصدر دخلهم، ما يدفعهم إلى بيع مواشيهم أو تقليص أعدادها بشكل كبير، وهو ما يعني انهيار اقتصادهم القائم على الاكتفاء الذاتي. كما أن هدم الخيام والحظائر والآبار لا يدمّر مأوى العائلات فحسب، بل يقضي على أصول اقتصادية تمثل رأس مالها الوحيد. وإلى جانب ذلك، فإن غياب البنية التحتية يضاعف من تكاليف المعيشة، فالماء يُجلب عبر صهاريج باهظة الثمن، والكهرباء غائبة أو معتمدة على مصادر بديلة مكلفة، والتعليم يتطلب انتقالًا يوميًا مرهقًا ومكلفًا. كل هذه الأعباء تدفع نحو إفقار منهجي يجعل استمرار الحياة في التجمعات شبه مستحيل.
ويؤكد د. راسم بشارات - مفوض العلاقات الخارجية في المنظمة أن الاعتداء على تجمع بدو العراعرة ليس مجرد انتهاك عابر، بل هو حلقة في مشروع استراتيجي يرمي إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية والجغرافية للقدس ومحيطها. هذا المشروع يقوم على إضعاف الإنسان الفلسطيني في أرضه، عبر استنزافه اقتصاديًا، وتفكيكه اجتماعيًا، وتدميره نفسيًا، وصولًا إلى دفعه نحو الرحيل.
في مواجهة ذلك، تصبح المسؤولية الدولية مضاعفة. فالقانون الدولي واضح في توصيف الاستيطان والتهجير كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غير أن غياب أدوات المساءلة يشجع إسرائيل على المضي في سياساتها بلا رادع. المطلوب اليوم ليس بيانات إدانة جديدة، بل تحرك فعلي يبدأ بتفعيل أدوات المحكمة الجنائية الدولية، ويمتد إلى فرض عقوبات على منظومة الاستيطان، وربط العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل بمدى التزامها بالقانون الدولي.
إلى جانب ذلك، يرى المحامي حسن مليحات أن هناك حاجة ملحّة لدعم صمود هذه التجمعات من خلال توفير بدائل خدمية واقتصادية تعزز قدرتها على البقاء. يمكن للمؤسسات الفلسطينية والدولية أن تبتكر حلولًا مثل المدارس المتنقلة، ومشاريع الطاقة الشمسية، وشبكات المياه البديلة، لتخفيف آثار الحصار المفروض عليهم. كما أن دور الإعلام والبحث العلمي يبقى أساسيًا في فضح هذه السياسات وربطها بالمشروع الأكبر الذي يهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة.
د. بشارات يؤكد بأن الاعتداء على تجمع بدو العراعرة، بكل تفاصيله القاسية، يكشف بوضوح أن المعركة على الأرض ليست معركة مسكن أو قطعة أرض صغيرة، بل هي معركة على الوجود الفلسطيني نفسه. استمرار هذه السياسات دون تدخل دولي فعلي يقود إلى تطهير عرقي بطيء للتجمعات البدوية في مناطق (C)، وهو ما قد يرقى إلى جريمة تطهير عرقي بطيء، ويقضي على إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة.
المطلوب اليوم ليس مجرد متابعة الحدث كواقعة إنسانية، بل التعامل معه كجزء من مخطط استراتيجي استيطاني إحلالي يهدد حل الدولتين ويقوض النظام الدولي. حماية تجمع بدو العراعرة وغيره من التجمعات البدوية تعني حماية مستقبل الوجود الفلسطيني في القدس والضفة، وحماية منظومة القانون الدولي من الانهيار أمام سياسات فرض الأمر الواقع.