تنظيم داعش الارهابي يتعافي في سوريا والعراق وافريقيا ‏

صنارة نيوز - 14/04/2024 - 11:25 am

في أعقاب هجوم "داعش" في موسكو يوم 22 مارس/آذار، تركز اهتمام وسائل الإعلام ‏والسياسة بشكل مباشر على التهديد ‏الذي يشكله فرع "داعش" في أفغانستان (داعش-‏خراسان). ولم يكن ذلك عن عبث، فقبل أيام فقط، أخبر قائد القيادة المركزية الأميركية، ‏‏الجنرال إريك كوريلا، الكونغرس بأن "داعش في خراسان يحتفظ بالقدرة والإرادة لمهاجمة ‏المصالح الأميركية والغربية في أقل من ستة ‏أشهر ودون سابق إنذار". وسبق هجوم 22 ‏مارس سلسلة تنبيهات عامة أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية حول تهديد إرهابي محتمل ‏‏داخل روسيا، وفعل الشيء نفسه مجتمع الاستخبارات الأميركي حين أبلغ نظراءه الروس ‏بتهديد وشيك من تنظيم "داعش". ‏

وبعيدا عن ‏تنظيم ولاية خراسان، حظي التوسع الكبير لتنظيم "داعش" في أفريقيا باهتمام كبير ‏في الآونة الأخيرة. وتنشط المجموعة الآن في أكثر من ‏‏20 دولة عبر القارة، حيث بدأت في ‏ممارسة السيطرة الإقليمية في بعض تلك الدول وتنفيذ أشكال صارمة من الحكم. علاوة على ‏ذلك، ‏أنشأ "داعش" خطوط تجنيد وخطوطا لوجستية ومالية تمتد من أفريقيا إلى أوروبا ‏والشرق الأوسط وجنوب آسيا.‏
‏ وعلى وجه التحديد، ‏قامت الكيانات المالية لـ"داعش" في غرب وشرق أفريقيا بتحويل مبالغ ‏كبيرة ومتكررة من المال إلى تنظيم ولاية خراسان في أفغانستان ‏لدعم عملياتها محليا ودوليا. ‏
ومع ذلك، منذ الهزيمة الإقليمية لـ"داعش" أوائل عام 2019، لم يتم إيلاء سوى القليل من ‏الاهتمام للمعقل الأصلي والطويل ‏الأمد للجماعة الإرهابية في سوريا والعراق. وهذا أمر ‏مفهوم إلى حد ما. إن الحملة الدولية المنسقة لمواجهة "داعش" بين عامي 2014 ‏و2019 ‏جعلت الجماعة الإرهابية تتضاءل لتغدو مجرد ظل لما كانت عليه في السابق. ومنذ عام ‏‏2019، انخفضت هجمات "داعش" بشكل ‏مطرد، إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2010. ولا ‏يزال هذا هو الحال في العراق، حيث نجحت حملة التحالف الدولي وإعادة بناء الأجهزة ‏‏الأمنية العراقية إلى اختفاء "داعش" تقريبا. ومثال ذلك، أن التنظيم نفذ في الأشهر الاثني ‏عشر الماضية ما مجموعه 108 هجمات فقط ‏على الأراضي العراقية ــ بمتوسط 9 هجمات ‏شهريا، في حين كان تنظيم "داعش" مسؤولا عن 347 هجوما، أو بمتوسط شهري قدره 29 ‏‏هجوما في الأشهر الاثني عشر السابقة. منذ منتصف 2023، ‏
يمارس "داعش" نفوذا غامضا ويسيطر أحيانا على مناطق ريفية في شمال ‏شرق وشرق ووسط ‏سوريا وفي حين أن التقدم في العراق يوفر أسبابا للتفاؤل، فإن التصعيد الأخير في سوريا ‏المجاورة يثير قلقا عميقا. ‏وشهدت البادية السورية الخاضعة لسيطرة النظام، والمناطق ‏الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، تصاعدا ‏ملحوظا في هجمات ‏تنظيم "داعش". حيث تشير التقارير الصادرة عن "قوات سوريا الديمقراطية" إلى زيادة شهرية ‏بنسبة 30-40 في ‏المئة في هجمات "داعش" في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى ‏أبريل/نيسان، بإجمالي زاد على 115 حادثة. وبالمثل، شهد الربع الأول من ‏عام 2024 ما ‏لا يقل عن 135 هجوما لتنظيم "داعش" في المناطق الصحراوية، وهو ما يمثل زيادة بنسبة ‏‏170 في المئة عن الربع ‏السابق. وسجل شهر مارس وحده ما لا يقل عن 69 هجوما بقيادة ‏‏"داعش" في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه "قوات سوريا ‏الديمقراطية"، وهو أكبر عدد في ‏شهر واحد منذ زوال "داعش" ككيان إقليمي. حسب ر ويترز .‏

أن النمط الأخير لهجمات تنظيم "داعش" ‏في سوريا، والتي ترتفع شهريا بشكل مضطرد عبر ‏مناطق مختلفة، غير مسبوق منذ عام 2017. وتتجلى عودة تنظيم "داعش" ليس فقط ‏في ‏تواتر الهجمات، ولكن أيضا في تطورها النوعي وجرأتها. وفي حين كانت الهجمات المعزولة ‏بالعبوات الناسفة هي السمة السائدة ‏لهجمات "داعش" في السنوات الأخيرة، فقد شهد عام ‏‏2024 ارتفاعا في الهجمات المجمعة الأكثر تعقيدا، والكمائن المنسقة، والغارات ‏المسلحة، ‏وحتى استخدام نقاط التفتيش المزيفة على الطرق السريعة للقبض على أهداف العدو ‏واستجوابها وتنفيذها. علاوة على ذلك، ‏زادت بشكل ملحوظ عمليات الاغتيال التي تستهدف ‏المسؤولين المحليين، مما يوضح جرأة التنظيم المتزايدة وقدراته العملياتية. ‏
لا ينبغي ‏لأحد أن يفاجَأ من أن البيئة السورية توفر لـ"داعش" فرصا للبقاء، بل للتعافي تشير ‏عمليات "داعش" الأخيرة إلى تحول استراتيجي كبير، ‏مما يدل على أن القيود المفروضة على ‏القوى البشرية لم تعد تشكل مصدر قلق ملحا للجماعة. وقد أدت هذه الجرأة المكتشفة حديثا ‏في ‏إشراك مقاتليها بشكل مباشر في القتال إلى شن هجمات أكثر جرأة وفتكا. ‏
ولا تعزز مثل هذه التكتيكات الروح المعنوية داخل صفوف ‏‏"داعش" فحسب، ولكنها فوق ذلك ‏تقوض ثقة خصومهم. منذ منتصف عام 2023، كانت هناك زيادة ملحوظة في التقارير التي ‏تفيد بأن ‏تنظيم "داعش" يمارس نفوذا غامضا ويسيطر أحيانا على مناطق ريفية في شمال ‏شرق وشرق ووسط سوريا. ثم ينطلق من تلك المناطق ‏ليشن على نحو متزايد عمليات داخل ‏البلدات والمدن الكبرى، مما يدل على التركيز المتعمد على التسلل إلى المناطق الحضرية. ‏
وتشير ‏معلومات استخباراتية حديثة إلى أن تنظيم "داعش" تمكن من فرض سيطرته أثناء ‏الليل على أجزاء من مدينة دير الزور والانخراط في ‏أنشطة مسلحة سرية في الميادين، ‏وكلاهما يقع في قلب خطوط سيطرة متعددة وصراع مستمر. لا ينبغي لأحد أن يفاجَأ من أن ‏البيئة ‏السورية توفر لـ"داعش" فرصا للبقاء، بل وأيضا للتعافي وإلى جانب الهجمات، عادت ‏شبكات الابتزاز والترهيب سيئة السمعة التابعة ‏لتنظيم "داعش" بكامل قوتها، حيث يستخرج ‏التنظيم ما نسميه "الضرائب" من الجميع، ويفرض الإتاوات على الأطباء وأصحاب المتاجر ‏‏إلى المزارعين وسائقي الشاحنات. ‏
وتشمل هذه الممارسات، المتطورة بشكل متزايد، إصدار إيصالات تحمل علامة "داعش"، ‏وعند ‏الضرورة، توجيه التهديدات إلى الهواتف المحمولة الشخصية وأفراد الأسرة. وفي ‏المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، ‏تشكل أساليب الترهيب هذه تهديدا ‏مستمرا للقادة المحليين وأفراد الأمن والمسؤولين العموميين. وإذا حافظ تنظيم "داعش" على ‏هذا الزخم، ‏فإن العواقب المترتبة على الابتزاز والترهيب والتهديدات المستهدفة من المتوقع أن ‏تتصاعد بشكل كبير، وهو النمط الذي ظهر في البداية ‏في العراق ثم سوريا ابتداء من عام ‏‏2011، قبل وقت طويل من المكاسب الإقليمية السريعة التي حققها التنظيم. ‏
إن الارتفاع الأخير في هجمات تنظيم "داعش" لم يأت من العدم ‏أيضا، ذلك أن العلامات ‏كانت موجودة منذ أشهر، واستمرت الأسباب الجذرية والدوافع التي تغذي "داعش" وأشباهها، ‏إن لم تكن تتفاقم مع ‏مرور الوقت. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن التعافي الواضح لتنظيم ‏‏"داعش" لم يعد مقتصرا على جزء محدد من سوريا- فقد أصبحت ‏خطوط الاتجاه الآن موحدة ‏تقريبا عبر المناطق الوسطى والشرقية التي يسيطر عليها النظام والشمال الشرقي الخاضع ‏لإدارة "قوات ‏سوريا الديمقراطية".‏
‏ وسوف يتطلب الأمر جهودا متضافرة من جميع الجهات الفاعلة لوقف الزخم الجديد الذي ‏يبدو أنه بدأ يلعب دوره ‏الآن. عن مجلة : "المجلة " اللندنية ا لدولية 12 - نيسان 2024‏