في الأردن: الذكاء الاصطناعي يلاحقك في الشارع ويغيب في المستشفى
صنارة نيوز - 12/04/2025 - 2:38 pm
الصناره نيوز - خاص
في وقت بدأت فيه الجهات المختصة بتفعيل تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد مخالفات السير، يلاحظ مواطنون ومراقبون مفارقة تستحق التوقف؛ فبينما تُخصص تقنيات متطورة لضبط السلوك المروري، يواجه المواطن صعوبات يومية في الوصول إلى خدمات صحية متكاملة أو إجراءات أمنية فعّالة في بعض البلاغات.
الكاميرات الذكية اليوم ترصد استخدام الهاتف أثناء القيادة، وتتتبع تجاوز الإشارات بدقة متناهية، وتصدر المخالفات في لحظات. غير أن الواقع في بعض المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية يُظهر تفاوتًا في مستوى الخدمة الرقمية، رغم وجود نظام "حكيم" الذي أُطلق لتحديث الملفات الطبية وتسهيل الخدمة، إلا أن تطبيقه ما يزال متفاوتًا بين المحافظات، ويعاني من غياب الربط الكامل مع بقية مكونات الخدمة الصحية، الأمر الذي يخلق فجوة بين الطموح والواقع.
وفي الوقت الذي تُثبت فيه أمانة عمّان الكبرى والبلديات قدرتها على تركيب الكاميرات المرورية وإدارتها بكفاءة عالية، لا يزال كثير من الأحياء تفتقر إلى أبسط متطلبات العدالة الخدمية، مثل الأرصفة الآمنة، والإنارة الكافية، وأنظمة الصرف الصحي المتطورة، فضلًا عن غياب منصات رقمية تفاعلية تُمكّن المواطن من تقديم شكواه أو تتبع معاملاته البلدية بسهولة. يبدو أن الذكاء الاصطناعي حاضر بقوة حين يتعلق الأمر بالمراقبة، لكنه يتأخر كثيرًا حين يتعلّق بتحسين جودة حياة الناس.
في الجانب الأمني، تكررت حوادث سرقة واعتداء لم تُحل بسهولة، ليس لغياب الجهود، بل في كثير من الأحيان لعدم توفر تغطية تقنية متقدمة أو أدوات رصد وتحليل رقمي تساعد في الوصول إلى الجناة. هذا في وقت ترتكز فيه تقنيات المخالفات المرورية على ذكاء اصطناعي قادر على تتبع المركبات بدقة عالية.
ما يثير النقاش هنا ليس الاعتراض على التنظيم أو تطبيق القانون، بل الأولوية التي تُمنح لبعض القطاعات دون غيرها، والطريقة التي يشعر بها المواطن أن التقنية تُستخدم أحيانًا كأداة ردع أكثر مما هي وسيلة لتحسين الخدمة وجودة الحياة.
وفي المقابل، تُظهر تجارب دول مثل إستونيا وسنغافورة وكندا أن التقدم الرقمي لا يُقاس فقط بصرامة الرقابة، بل بمدى توافر الخدمات الصحية والعدلية والاجتماعية رقمياً، وسهولة الوصول إليها، واستثمار الذكاء الاصطناعي في حماية المواطن ورعايته قبل مخالفته. فهذه الدول نجحت في تحقيق توازن بين "الضبط الذكي" و"الرعاية الذكية"، ما ساهم في رفع الثقة العامة وتقليل الفجوة بين المواطن والمؤسسة.
التحول الرقمي مطلب وطني ومؤشر على التقدم، لكنه لا يكتمل حين يشعر المواطن أن التقنية تحاسبه قبل أن تخدمه. العدالة الرقمية، مثلها مثل العدالة الاجتماعية، تقوم على التوازن، وتبدأ من المكان الذي يحتاجها الناس فيه أكثر: في المستشفى، في المدرسة، في مركز الشرطة، وفي المؤسسات الخدمية، وفي تفاصيل الحياة اليومية التي لا تُرصدها الكاميرات.