المتهم في حرق الشهيد معاذ الكساسبة يروي تفاصيل مروعة
صنارة نيوز - 06/07/2025 - 1:38 pm
عندما أجبر الطيار الأردني معاذ الكساسبة على دخول ميدان الإعدام في الرقة قبل عشر سنوات من اليوم، مشى مثقل الخطى يرافقه أحد عناصر "داعش" إلى موته المحتم.
مر عبر 13 عنصرا من التنظيم المتطرف ببزته البرتقالية اللون مبللة بمادة قابلة للاشتعال، أطبقوا عليه قفصا معدنيا وما هي إلا دقائق حتى أضرمت النيران بجسده في الثالث من فبراير/شباط 2015 وفي مقطع مصور مدته نحو23 دقيقة.
"كنت مرعوبا... كانت هذه أول مرة أرى فيها شخصا يحترق"
تلك التفاصيل المروعة وغيرها الكثير رُويت على لسان أسامة كريم الملقب بـ"أبو عمر السويدي" خلال محاكمته في السويد، وهو أحد أبرز المشاركين في عملية إعدام الكساسبة ، ومن المرجح أن يكون كريم هو المشارك الوحيد الموجود على قيد الحياة اليوم.
مجلة "المجلة"، التي حصلت على ملف التحقيق الفرنسي-البلجيكي-السويدي كاملا، تنشر تفاصيل للمرة الأولى حول عملية الإعدام وتاريخها وأسماء وجنسيات بعض المشاركين في الحرق مزودة بالوثائق والصور والخرائط.
إضافة إلى معلومات تكشف للمرة الأولى حول إيهام "داعش" للسلطات الأردنية ومحاولة خداعها بأن الكساسبة كان على قيد الحياة حين حاولت التفاوض على صفقة تبادل للإفراج عن ثلاثة موقوفين لـ"القاعدة" في العاصمة الأردنية عمان على خلفية هجمات عام 2005 وراح ضحيتها 60 شخصا ونحو 100 جريح، من بينهم المخرج العالمي مصطفى العقاد صاحب فيلم "الرسالة".
الرحلة التي غيّرت مسار كريم
كان يوما صيفيا سويديا دافئا من أيام أغسطس/آب، حين حمل كريم حقيبة صغيرة، بداخلها بعض الأغراض الشخصية وما يقارب 190 ألف كرونة سويدية حصل عليها من قروض صغيرة وعمليات استغلال لبطاقات ائتمان. برفقة صديق استقل القطار من مدينة مالمو السويدية متجها إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، حيث كانت الطائرة إلى أنطاليا التركية بانتظارهم.
لم يكن يدري أن تلك الرحلة، التي كانت الرقة وجهتها النهائية، ستشكل نقطة التحول في حياته. كريم، الشاب العشريني المحبوب، عاشق كرة القدم، المرح والاجتماعي، بحسب أقربائه سيتحوّل لاحقا إلى أحد أخطر عناصر تنظيم "داعش"، مشاركا في ثلاث من أكثر العمليات دموية ورعبا في العالم.
ببزته الزرقاء ولحيته الطويلة وشعره المنسدل، أدار كريم ظهره للحضور أثناء جلسة المحاكمة التي تمت في إحدى محاكم استكهولم في 6 يونيو/حزيران. بدا كريم هادئا متماسكا، تارة يهمس في أذن محامي الدفاع وتارة أخرى يتصفح أوراقا في يده.
رفض الإجابة على كثير من الأسئلة مبررا ذلك بأنه أدلى بكامل اعترافاته للمحققين في السابق. ورد على سؤال واحد حول سبب انضمامه إلى تنظيم "داعش" مبررا ذلك: "بسبب الدين".
في بداية الجلسة قالت المدعية العامة رينا ديفغون: "أسامة كريّم بالتنسيق والاتفاق مع منفذين آخرين أعضاء في تنظيم (داعش)، قتل معاذ الكساسبة. في هذا الإطار حرس أسامة كريّم- الذي ارتدى بزة وحمل السلاح- الضحية واقتاده إلى القفص المعدني حيث احتجز في ما بعد. ومن ثم، أضرم أحد المنفذين النار في معاذ الكساسبة الذي كان لا يملك أي وسيلة للدفاع عن نفسه أو طلب المساعدة".
وفي 12 مارس/آذار من العام الحالي وافقت فرنسا على تسليم كريم إلى السويد لتسعة أشهر إلى حين التحقيق معه ومحاكمته، بعد اعترافه بجريمة الكساسبة، على أن يعاد إلى فرنسا لقضاء عقوبته.
وجدير بالذكر أن كريم محكوم بالسجن 30 عاما في فرنسا والمؤبد في بلجيكا، وذلك على خلفية تورطه في اعتداءات باريس وسان دوني في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وأسفرت عن مقتل 130 شخصا، والهجوم على المطار الرئيس ومترو بروكسل في مارس 2016، والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصا.
يقول كريم أثناء التحقيق: "لقد احترق لفترة طويلة قبل أن يموت، كان تماما كما رأيتم في الفيديو. كانت هناك حجارة متناثرة بفعل القصف (الجوي)، وقد استخدموا جرافة لوضع الحجارة فوقه، مما أدى إلى انهيار القفص، وكان ذلك بمثابة وسيلة لدفنه. بعد ذلك، ظل مدفونا هناك خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، في نهايته تقريبا، ولم يتحدث أحد عن الأمر حتى نُشر الفيديو. لم يُسمح لنا بالتحدث عن ذلك قبل نشر الفيديو... كان المصورون هم من أخبرونا بعدم التحدث، قالوا: شكرا، ولا أحد يتكلم".
ويتابع المحقق بالسؤال: حسنا. بعد أن غطوا القفص بالتراب، ماذا حدث؟ ماذا حدث للزي العسكري، وماذا حصل بعد ذلك؟
يجيب كريم: "إذا كنت أتذكر جيدا، أعدت الزي العسكري ثم عدت إلى المكان الذي أتيت منه".
وحول ما إذا كان كريم يذكر مكان الجريمة أو لديه أي معلومات حول مكان وجود الجثمان، رد المتهم على سؤال المحقق بالنفي. ومن المعلوم أن الشرطة السويدية تحاول التقصي عن أي معلومات تشير إلى مكان وجود الرفات بغية استعادتها إلى عائلته في الأردن.
ويتطرق التحقيق مع كريم إلى المدة الزمنية التي استغرقتها عملية الإعدام، حيث يؤكد المتهم أن العملية، من حين دخوله إلى لحظة خروجه من المكان، استغرقت ما بين 15 إلى 20 دقيقة. ويضيف أنه كان يقف في طابق علوي في المبنى المدمر، ويقول: "لا أعلم إن كان لديكم صورة، لكنني كنت في الطابق الثاني من مبنى تم قصفه. كنت في مكان أعلى قليلا".
أما عن عدد الحاضرين إضافة إلى المجموعة الـ13، فيشير إلى وجود نحو عشرة عناصر مقنعة إضافة إلى مجموعة من سكان الرقة.
مرحلة الطفولة والمراهقة
يعود كريم (33عاما) الذي ولد وترعرع في مدينة مالمو جنوب السويد، يعود إلى عائلة لأب سوري وأم فلسطينية عاشت في لبنان. وكان يعرف، من خلال تحقيق الشرطة السويدية معه ومع أصدقائه وجيرانه، بطبعه الاجتماعي اللطيف وشخصية تتمتع بروح النكتة.
مارس رياضة كرة القدم بمهارة منذ الطفولة إلى سن المراهقة حتى إنه كان يتطلع إلى شهرة لاعب كرة القدم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش. لم يكن كريم انطوائيا، لا بل على العكس، كان شابا اجتماعيا تربطه علاقة مودة مع أصدقائه ومحيطه.
في هذا الإطار يسأل المحقق السويدي كريم: كيف كانت طفولتك؟ هل احتفظتَ بأي أصدقاء طفولة؟ وإن وُجد، فمن هم؟
الإجابة: "كانت طفولتي طبيعية تماما، ذهبتُ إلى المدرسة، ومارستُ الرياضة، وقضيتُ وقتا مع عائلتي. كان لديّ أصدقاء في الحي، وعندما ذهبتُ إلى مدرسة خارج مالمو، تعرفتُ على سويديين أصليين، وكان لديّ أيضا زملاء كرة قدم. لا أرى أي فائدة من ذكر أسماء هؤلاء الأصدقاء".
بدأت علامات التدين تظهر على سلوك كريم وهو ما لم يُثِر قلق عائلته ورفاقه، فحسب رأيهم كان هذا التحول أفضل من الانخراط في عصابات الإتجار في المخدرات التي تنشط كثيرا في صفوف اللاجئين من جنسيات عدة في السويد.
ويجيب كريم على سؤال المحققين حول سبب تحول سلوكه إلى التدين قائلا: "أؤكد ما قلتَه، لقد تغيّرتُ بين عشية وضحاها خلال شهر رمضان عندما كنتُ في التاسعة عشر أو العشرين من عمري. قبل ذلك، كنتُ أشرب الكحول وأفعل أشياء كثيرة تُخالف تعاليم الدين. قررتُ تغيير سلوكي واحترام الدين. تسألني عمّا إذا كان حدثٌ مُحدّدٌ قد تسبّب في هذا التغيير. لماذا تعتقد دائما أنه لا بد من وجود سبب لمرحلة جديدة من الحياة؟ لا تنسَ أن والديّ مسلمان ملتزمان، وقد علّمانا كيف نمارس ديننا. يمكنك التوقف عن الشرب في أي وقت، فلا توجد شروط معينة أو مناسبة خاصة للقيام بذلك".