كيفك أنت ..عندما غنت فيروز لزياد الرحباني

صنارة نيوز - 28/07/2025 - 1:23 pm

لم تكن أغنية “كيفك إنت” التي خرجت للنور بصوت السيدة فيروز عام 1991 مجرد قصيدة حب كلاسيكية كما ظنها كثيرون، بل كانت مرآة عاطفية لعلاقة أم بابنها، امتزج فيها العتاب بالدفء، والبُعد بالشوق، والصدمة بالسؤال.

وبدأت القصة عندما غادر زياد الرحباني لبنان فجأة، دون أن يبلغ أحداً، ليتزوج من حبيبته ويختار حياة جديدة، وعندما عاد ذات يوم، التقت به فيروز مصادفة وهو يهم لمغادرة بيت أحد أصدقائه سريعاً لشراء شيء ما، لتقول له بلهفة صادمة: “كيفك أنت؟ عم بيقولوا صار عندك ولاد، وأنا مفكرتك براة البلاد”.

 

هذه الجملة العفوية لم تمر مرور الكرام، بل علقت في ذهن زياد، وحوّلها لاحقاً إلى أغنية كتبها ولحنها خصيصاً لوالدته، لكنه واجه تردداً منها في البداية، إذ استغربت الكلمات وسألته: “هيدي شو بدنا نعمل فيها؟”.

ولم تقتنع بسهولة، حتى حمل إليها زياد شريط التسجيل بصوته، وأصر أن تستمع إليه بصحبته رغم انقطاع الكهرباء، فاستمعت فيروز بصمت، ولم تُبدِ قراراً، واحتفظت بالأغنية لأربعة أعوام قبل أن تغنيها، فتُخلّد بذلك لحظة إنسانية خالصة من علاقة استثنائية بين أم وابنها.

 

اللافت أنه ومنذ أن تولى زياد الرحباني التلحين لفيروز، بدأت ملامح جديدة تتكوّن لصوتها، أقل دفئاً وأشد واقعية، تحوّلت فيروز من رمز الحنين الجماعي إلى مرآة للوجع الفردي، غنّت الغربة، والوحدة، والموت، والحروب الأهلية، بصوت لم يتغير لكنه بدا مختلفاً عن نهجها السابق مع الرحبانية، حيث كانت الأغنيات ممتلئة بالشعارات الرومانسية والخيال البريء.

كان زياد يكتب لها كما يكتب لنفسه، بلا حساب لجمهور اعتاد على الرمزية والمجاز، فصارت فيروز تغني “بلا ولا شي” و”أنا مش كافر”، وواجهت نقدًا واسعاً لم تشارك فيه برد أو تعليق.

وفي لقطات نادرة، ظهرت فيروز إلى جواره في الاستوديو، تنصت بصمت أو تبتسم بإيماءة، علاقة لا تشبه ما يُتداول في الإعلام، لكنها محكومة باحترام عميق، لخّصه زياد ذات مرة بجملة مقتضبة: “فيروز بتعرفني أكتر ما بعرف حالي”.

واليوم، ودّع لبنان أحد أبرز مثقفيه وفنانيه، ابن الرحبانية وفيروز، بدون مقدمات وفجأة رحل زياد الرحباني عن عالمنا، تاركاً إرثاً فنياً مميزاً، غنياً، متفرداً، وكما عوّد جمهوره طويلاً على الغياب، ترك حقيبة فنه الممتلئة وتوجه إلى حيث الخلود.