حجرات يكتب : استقلال اسكتلندا وفلسطين بين رفض الانفصال وحلم الدولة

صنارة نيوز - 25/09/2025 - 12:22 pm

الصناره نيوز : د عزمي حجرات

 

 

في 18أيلول 2014، توجه الملايين من الناخبين الاسكتلنديين إلى صناديق الاقتراع للإجابة على سؤال مباشر: "هل ينبغي أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة؟". كانت نسبة المشاركة تاريخية، حيث بلغت 84.59%، وهي الأعلى في أي استفتاء أو انتخابات في المملكة المتحدة منذ عام 1910. وأسفر الاقتراع عن رفض الغالبية للانفصال، حيث صوت 55.3% (2,001,926 شخصاً) لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة، بينما أيّد 44.7% (1,617,989 شخصاً) الاستقلال. هذا الحدث لم يكن وليد اللحظة، بل جاء تتويجاً لحركة سياسية طويلة، وتحديداً بعد فوز الحزب الوطني الاسكتلندي المؤيد للاستقلال بأغلبية مطلقة في البرلمان الاسكتلندي عام 2011، مما مهد الطريق للاتفاق مع لندن على إجراء هذا الاستفتاء التاريخي.

كانت الحجج الاقتصادية هي العامل الحاسم في توجيه خيار الناخبين، تماماً كما أشار صديقي الاسكتلندي الذي قابلته اثناء زيارتي الى بروت. لقد نجحت حملة "معاً أفضل" (Better Together) في تصوير الاستقلال على أنه مخاطرة اقتصادية غير ضرورية، وطرحت عدة عوامل منها:

· الاعتماد المالي: حذرت الحكومة البريطانية من أن اسكتلندا المستقلة سترث قطاعاً مصرفياً ضخماً جداً مقارنة بحجم اقتصادها، حيث كانت الأصول المصرفية تتجاوز 1250% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعرضها لخطر أزمات مالية مشابهة لأزمة قبرص.

· مسألة العملة: دار جدال حاد حول العملة التي ستستخدمها اسكتلندا المستقلة. أصر القوميون على الاحتفاظ بالجنيه الإسترليني، بينما رفضت لندن ذلك بشدة، مما خلق حالة من الغموض والقلق حول استقرار النظام المالي.

· العلاقة التجارية: كانت 63% من صادرات اسكتلندا تتجه إلى أسواق المملكة المتحدة، مقارنة بـ 17% فقط للاتحاد الأوروبي وقتها. خشي الناخبون من أن الانفصال قد يعرقل هذه التدفقات التجارية الحيوية ويضع عقبات أمام الاقتصاد الاسكتلندي.

· الدعم المالي: كانت اسكتلندا تحصل على دعم سنوي من الحكومة المركزية يقدر بحوالي 12 مليار دولار (ما يعادل 2300 دولار للفرد)، وهو دعم كان من الصعب التعويض عنه في حالة الانفصال.

إلى جانب هذه العوامل، شكك الناخبون في قدرة اسكتلندا على الانضمام السريع للاتحاد الأوروبي كدولة مستقلة، خاصة مع المعايير الصارمة المتعلقة بعجز الميزانية الذي كان مرتفعاً فيها. وقد لخص استطلاع للرأي هذه المخاوف، حيث أشار إلى أن الاحتفاظ بالجنيه الإسترليني كان العامل الحاسم بالنسبة لأولئك الذين صوتوا بـ "لا".

 

#فلسطين والسؤال المصيري: مقارنة في ظل المستجدات

في ضوء الاعتراف الأخير الذي حظيت به دولة فلسطين من قبل 17 دولة جديدة، بما في ذلك عدة دول أوروبية كبرى، يبرز السؤال الجوهري: هل يمكن لدولة فلسطينية مستقلة أن تنشأ وتزدهر اقتصادياً وسياسياً وأمنياً؟ تبدو المقارنة مع اسكتلندا معقدة، لكنها تثير نقاطاً بالغة الأهمية، أهمها:

· الاعتراف مقابل السيادة: تمتلك فلسطين بالفعل اعترافاً دبلوماسياً بأكثر من 140 دولة، وهو ما يفوق بكثير الوضع الذي كانت عليه اسكتلندا (التي لم تطالب بالانفصال إلا بعد إجماع داخلي وإجراءات قانونية). ومع ذلك، يبقى هذا الاعتراف غير مكتمل في ظل غياب موافقة الدول ذات النفوذ في مجلس الأمن، مما يحد من قدرة فلسطين على ممارسة سيادتها الكاملة على أرضها.

· الاعتماد الاقتصادي: تواجه فلسطين تحديات اقتصادية هيكلية أعمق من تلك التي نوقشت في اسكتلندا. يعتمد الاقتصاد الفلسطيني اعتماداً كبيراً على إسرائيل من حيث السيطرة على المعابر والحدود والموارد الطبيعية وجباية الضرائب. هذا الوضع يشكل قيوداً أكبر على قدرة الدولة الفلسطينية المستقبلية على إدارة سياستها المالية والتجارية بشكل مستقل.

· الأمن والسيادة: بينما كانت اسكتلندا جزءاً من اتحاد طوعي وتحظى بضمانات أمنية، فإن السيادة الأمنية هي التحدي الأكبر لفلسطين. فقيام دولة فلسطينية مستقلة يتطلب السيطرة الكاملة على الحدود والمجال الجوي والمعابر، وهو أمر لا يزال محل نزاع أساسي في المفاوضات.

لتحويل فلسطين إلى دولة قابلة للحياة، يجب معالجة إشكاليات جوهرية تتجاوز تلك التي واجهتها اسكتلندا:

· التمويل والعجز: تعاني السلطة الفلسطينية من عجز مزمِن في الميزانية، وتعتبر المساعدات الخارجية مصدراً حيوياً لاستمرارها. إنهاء هذا التبعية يتطلب بناء اقتصاد منتج قادر على خلق فرص عمل والاعتماد على الذات.

· الوحدة الجغرافية والسياسية: تمثل الانقسام الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع #غزة ، والانقسام السياسي بين #فتح و #حماس ، عقبة كبرى أمام قيام دولة موحدة. وهي مشكلة لم تواجهها اسكتلندا التي كانت كياناً متماسكاً إدارياً وسياسياً.

· الموارد الطبيعية: تحتفظ #إسرائيل بالسيطرة على معظم مصادر المياه والأراضي والحدود في الأراضي الفلسطينية، مما يحرم فلسطين من موارد طبيعية واقتصادية أساسية لبناء دولة مستقلة. في المقابل، كانت اسكتلندا تمتلك موارد طبيعية مثل النفط والغاز، وإن كانت تثار تساؤلات حول جدواها الاقتصادية.

تبين لنا تجربة اسكتلندا أن الخوف من المجهول الاقتصادي والأمني يمكن أن يطغى على الحماس القومي، حتى في ظل وجود تاريخ طويل من الاستقلال وإرادة سياسية واضحة. الناخبون الاسكتلنديون، رغم حبهم لهويتهم، فضلوا اليقين النسبي للاتحاد على مخاطرة الانفصال.

بالنسبة لفلسطين، فإن الطريق إلى الدولة المستقلة أكثر وعورة. الاعترافات الدبلوماسية المتتالية هي خطوات رمزية مهمة تزيد من الشرعية الدولية، لكنها لا تحل المعضلات الأساسية. قيام دولة فلسطينية قادرة على البقاء يتطلب أكثر من مجرد تصويت؛ فهو يحتاج إلى أساس اقتصادي متين، وسيادة أمنية حقيقية، وإرادة سياسية موحدة، واتفاقيات واضحة مع الجار الإسرائيلي تحدد العلاقة الاقتصادية والأمنية بينهما بشكل دقيق.

إن الإجابة على سؤال "ماذا بعد قيام الدولة؟" تحتاج إلى نقاش جاد وشامل داخل الفلسطينيين أنفسهم أولاً، ثم في المفاوضات مع إسرائيل والمجتمع الدولي. إنها نقاشات لا تقل أهمية عن النضال من أجل الاعتراف، لأن الدولة التي لا تستطيع إدارة شؤونها الاقتصادية والأمنية بشكل مستقل قد تجد نفسها، مثل اسكتلندا، تفضل البقاء في ظل نظام يمنحها الاستقرار، أو في الحالة الفلسطينية، قد تبقى دولة في الظل دون سيادة حقيقية.