المقاطعة التي تقتل فرص العمل: فضح متاجري الوعي واستغلال معاناة غزة

صنارة نيوز - 26/10/2025 - 5:34 pm

المقاطعة دمرت شركات الوطن ولم تضر لا امريكا ولم تنقذ غزة 

يطلبون مقاطعة الشركات الاردنية ويفتحون البوابات الامريكية واصحاب الفتاوى يحملون الايفون ويركبون التسلا والجيمس

 

 الصناره نيوز / محرر الشؤون المحلية - الهت – ولو مؤقتاً – حرب الإبادة على غزة، الحرب التي كانت أقذر حرب على وجه التاريخ، ولا نريد أن ندخل في نتائجها والكوارث التي حصلت والخراب الذي خلفته ولا تزال، والذي سيبقى على مرّ الدهر، بأن هناك جنساً من البشر لا يستحق أن يُصنَّف تحت العنصر البشري، لأن باختصار تحكمه غريزة، ولا يترك لا قلب ولا عقل، سوى غريزة شهوة الدم والقتل وسفك الدماء والتدمير والتهجير والتفجير.
ولكن أريد أن أتحدث عن المقاطعة التي كانت صوت الأردنيين إلى العالم، عبر الشركات التي تاهت البوصلة في تصنيفها بأنها شركات أمريكية داعمة للاحتلال والجيش... نعم، المقاطعة للمنتجات الصهيونية والأمريكية واجب ديني وقومي وأخلاقي، لكن شريطة أن تكون تلك الشركات داعمة للاحتلال ومشاركة له وتوفّر كل الدعم لبقائه كاحتلال.

في الأردن، سلاح المقاطعة تحوّل إلى بندقية بلا منظار، ومن يطلب وقف إطلاق النار أو الضغط على الزناد هو أعمى بصيرة وفكر، لا يميّز بين الوطن والأجنبي، والشركة المحلية أو الأجنبية، وما بين المطعم الذي يحمل كل مواصفات الصناعة والإنتاج والمقرات والعمال والموظفين والمالية، وبين مطاعم أجنبية أمريكية مشبوهة في إساءتها وعلاقاتها الداعمة للكيان الصهيوني.

منذ السابع من أكتوبر 2023، ارتفعت الموجة كثيراً وغادرت مساحتها، وأصبحت بيد أشخاص غير واعين أو مطّلعين، تائهين بلا بوصلة أو وعي، يتحركون بعواطف أو عواصف، ولا يدركون خطورة ما يقومون به، أو أنهم أداة مشبوهة بأيدي تجار وحيتان وأصحاب مصالح ضيقة وأجندات خاصة، قاموا باستغلالهم وابتزازهم لتحقيق مصالح الربح والثراء عبر التلاعب بمشاعر الناس والمتاجرة بدماء غزة وأهل غزة لتحقيق أرباح وزيادة الثروة.
حيث وجدنا أن البعض ربح كثيراً وأسرف بشكل هائل من سلاح المقاطعة الذي تبيّن بأنه سلاح أعمى لا يصيب الهدف، وضرره كان أكثر مما حققه. والدليل: لماذا لم نسمع من يدعو إلى مقاطعة السيارات الأمريكية الباهظة الثمن؟ فسيارة واحدة يعادل ثمنها 100 ألف وجبة غذائية! فلم يصدح أحد ويعلمنا أو يعلم أثرياء هذا الوطن بأن عدم ركوب سيارة أمريكية ليس نهاية العالم، وأن البديل متوفر وبكثرة وبسيارات أفضل.
ومع ذلك ترك الناس مقاطعة تلك السيارات الفارهة والمشروبات الباذخة والدخان الأجنبي والموبايلات والملابس والسيجار، ولم يجدوا أمامهم إلا مقاطعة مطاعم غذائية تحمل اسم ماركة عالمية، هواها وجناها ورأس مالها وعمالها ومكونات وجباتها أردنية بشكل كامل.
نعم، هناك مطاعم لا ترتقي إلى أن تكون مطاعم، بل تقدم بديلاً راقياً ومناسباً ومعتدلاً ذو جودة ونوعية.
في فترة عهد المقاطعة اضطر البعض إلى الدخول في معترك آخر، عندما دخل شيء جديد حرّك آخرين يعملون معه بحجة الوطنية، إلى قيادة مقاطعة ضد تلك المطاعم وتمويلها، لكي يبقى متسيداً على حساب دماء غزة وأهل غزة.

المقاطعة كسلاح لم تُستخدم اليوم فقط، بل كانت بالأمس القريب وربما المتوسط، وكلنا يذكر مقاطعة المنتجات التي صدرت من بلدان أساءت إلى رسول الله سيدنا محمد ﷺ، وبعض الدول التي كانت تحت مرمى السلاح والأهداف هي الدنمارك والسويد وفرنسا وهولندا، ثم توقفت بعد أن وصلت الرسالة والصوت. وهذا هو الهدف والفكرة والفلسفة من المقاطعة التي تحمل معنى ورسالة، شريطة ألا تدمر من يستخدم هذا السلاح على وطنه واقتصاده بشكل عكسي.
كل الأردنيين متعاطفون وتعاطفوا وسيبقون مع غزة وفلسطين والقضايا الإقليمية والوطنية والأممية، ونحن الوحيدون في الأردن من علا صوته ورسالتنا باستخدام سلاح المقاطعة كرسالة. ولكن للأسف، هذه الرسالة تم استثمارها واستغلالها من قبل البعض الذي يعرف كيف يستخدم هذا السلاح لأهداف ومصالح ذاتية ضيقة، حيث صوّروا أن من يتناول وجبة عليها علامة تجارية أمريكية بأنه خائن ومرتد وزنديق وطني، وهو أراد أن ينمّي أمواله ولا يخدم قطاع غزة، دون أن يقدّم إليهم سوى الكلام والشعارات الرنانة التي تدعم المقاطعة، وهم أنفسهم دغدغوا المشاعر.

سلاح المقاطعة لم يخدم فلسطين، بل أضر بالاقتصاد الوطني وشركاته ومواطنيه وخزينته. ومعظم الشركات الأردنية التي تحمل ماركات تجارية عالمية ولها سلسلة فروع لم تستطع أن تصمد كثيراً لأنها غير مدعومة لا من أمريكا ولا من أوروبا، فاضطرت لكي تبقى تتنفس إلى التخلص من العمالة الأردنية التي تحوّلت من منتجة إلى طوابير البطالة المتكدسة.
علماً أن الجميع يعلم أن الكثير من الشركات التي تمت الدعوة لمقاطعتها تعتمد على السوق المحلي الأردني والمواد الأولية الأساسية والأيدي العاملة الأردنية، وتنتج وتبيع داخل الأردن، وتوفر فرص عمل للعاطلين عن العمل. ولهذه الشركات مساهمات وطنية واجتماعية وإنسانية في المجتمع المحلي الأردني.
وبعد كل ذلك يخرج علينا رجال بنصف وعي أو بدونه، يطلبون بضرورة تحطيم نوافذ تلك المحلات بالشاكوش كما شهدنا في بداية الحرب، وهناك من أشعل النار في بعض المطاعم، وشيوخ أصدروا فتاوى بتحريم الرواتب التي يتقاضاها العاملون في تلك الشركات، في الوقت الذي كان أصحاب هذه الفتاوى يستخدمون "هواتف مرتفعة الثمن منها الآيفون"، والدخان، والمركبات الأمريكية منها تيسلا وجي إم سي.

وأخيراً نقول: اتقوا الله في الوطن واقتصاده ومنتجاته وشبابه، فهذه الشركات أردنية، وأسماء أصحابها معروفة، ومساهماتهم في المجتمع المحلي لا تُغطّى بغربال.
ونذكر بأن غزة لم تستفد من كل ذلك، فالإسرائيليون والجيش النازي الصهيوني يتلقون كل يوم شحنات سلاح وأموالاً بالمليارات من الأمريكان والحكومة الخفية في العالم.
مؤكدين مرة أخرى أن المقاطعة فكرة وسلاح، لكن يجب أن يصيب الهدف ويُستغل بطريقته السليمة والصحيحة، لا أن يتحوّل إلى حجارة نكسر بها اقتصادنا الهش الذي تضرر أكثر من غزة.
ونقول: هل انتصرت غزة بمقاطعة وجبة برغر، فيما يحتل الأمريكان ويسيطرون على كل مقاليد الأموال التي نهبوها من العرب قبل الأجانب؟
أعيدوا النظر، وحكِّموا ضمائركم، ولنُعِد الاعتبار إلى شركاتنا التي على الجميع أن يعلم أنها شركات تُدار بعقول وسواعد أردنية، ولا تساهم في دعم الاحتلال لا من بعيد ولا من قريب، كما يقول تجار الحروب والأزمات الذين استغلوا عواطفنا ومشاعرنا وحولونا إلى مطاياهم دون أن نشعر...