إنما للصبر حدود
صنارة نيوز - 03/03/2025 - 10:39 am / الكاتب - منار زواهره
إنّما للصبر حدود
كتب - منار زواهره
أذكر انني كنت أقف على مخرج طريق يؤدي على دوار بوسط العاصمة عمّان، وكان شرطي سير يقوم بإغلاق الشارع، كانت اصوات الزوامير تتعالى وبعدة نغمات، استمر وقوف الجميع بالمسرب المغلق لفترة طويلة..
والشرطيّ لا يكترث لكل تلك الضجة.. بدا وكأنه لا يسمع اي زامور.. كنت انظر من بعيد حيث كانت هناك مسافة لا بأس بها بين سيارتي والشرطي.. كانت ملامحه مزيجاً من الغضب والاستنكار.. واللامبالاة.
مضت نصف ساعة وبدأت أصواتٌ من الزوامير تتعالى كذلك أصوات الناس من داخل سياراتهم ينتظرون (رحمة الله) على قولتهم بفتح الطريق، كان احدهم يوجه كلاماً للشرطي بصوت مرتفع من نافذة سيارته (يا سيدي مرّقنا ورانا دوام ومشاغل) نظر إليه الشرطي نظرة جانبية خفية وكأنه يقول من خلالها (أسكت احسنلك).. استمر ذلك لعدة دقائق، ترجّل سائق كبير بالسن كان يستقل سيارة اجرة ومشى بخطواتٍ بطيئة.. وصل للشرطي، قال له (يا بنيّي مرقنا والله عندي مراجعة عند الدكتور) فقال له الشرطي (توكل على الله يا حج) رح نفتح الطريق بالوقت المناسب وأنا بمشي حسب الاولويات.
هنا... أنا أشاهد كل ذلك بصمت بعد أن انحرق زامور سيارتي بعد محاولات طويلة فاشلة باستخدامه انا وجميع الواقفين، تبادرت لذهني فكرة أن أتحدث الى الرقم (911)..
أنا: ألـو..
911: تفضلي كيف بنقدر نخدمك
أنا: سيدي احنا بالشارع كذا... المؤدي لـ كذا... بدي أخبركم أنه النا وقت طويل واقفين لانه الشرطي مسكر السير.
911: تمام اختي لحظات معنا .... اختي الشرطي مسكر السير بناء على تعليمات وبسبب وجود أزمة كثير.. دقائق ورح يفتح السير واحنا بدورنا وصلنا المعلومة.
أنا: شكراً يعطيكم العافية.
أصابني ذهول للحظات، ذهبت بتفكيري بعيداً... إلا انه فارقني بعد سماع عدة اصوات لزوامير السيارات.. ما أثار انتباهي أيضا اشعال الضوء العالي واطفاؤه من اكثر من سيارة وكلها اشارات للشرطي تعني (مشان الله مرقنا).
الغريب بهذا الموقف أن جميع من كانوا بالشارع يستخدمون الزامور للحوار مع الشرطي وهو لا يبالي بل يرد عليهم بنفس الطريقة وبالاشارة وهي عدم الاكتراث... ورغم تعجبي لكنني تعلّمت أن للزامور نغمات مختلفة تدل على حالة الشخص الذي يستخدمه فبالبداية كانت النغمة (بيب... بيب.. بيب) وهذه تدل على أن الشخص يلفت الانتباه فقط... بعدها بدقائق أصبحت (بيييييب بييييييييييييب) وهنا يعني أن نفس الشخص بدأ بالانزعاج والتململ، واخرى (بيييييييييييييييييييييب......) هنا أن الشخص لم يعد يحتمل وبدأ يستعد لمشاجرة لكنه ما زال يضبط اعصابه بالرغم من ذلك ويحاول أن يفرغ غضبه بالزامور وآخرون مثلي كانت نهايتهم تعطل الزامور.
جاء الفرج أخيراً.. امتدت يد الشرطي لتسمح لنا بالمرور... السيارات تتسارع تريد أن تتجاوز هذا الحاجز خوفاً من اغلاقه مرة اخرى قبل أن يتسنى لهم المرور لعله يعود عن قراره.
فعلاً ولسوء حظي انني عندما وصلت للمخرج قام الشرطي مرة أخرى وأشّر بيده وأوقف السير للمرة الثانية... هنا كانت المعضلة.. لم يكن لي إلا ان ابتسم ابتسامة عريضة مليئة ب (الاستغراب) وخصوصاً انني لا أملك زامور.
توقفت وكلي تفاؤل بعد أن قررت أن ألغي مشواري الذي كنت انوي الذهاب إليه.. أعصابي كانت على ما يرام وقتها.. كانت بجانبي سيارة يبدو من سائقها أنه محبط مثلي وكان صوت ام كلثوم (إنما للصبر حدود) يصدح داخل سيارته.. هنا نظر إليه الشرطي وقال بصوت مرتفع: (وطيّ صوت الموسيقى يا شب)... نظرت إليه وقلت له: ممكن أسالك؟؟ قال تفضلي... فقلت بكل براءة: (معقول ما سمعت صوت زوامير السيارات كلها وسمعت صوت الموسيقى؟) الشرطي هنا ابتسم ابتسامة صفراء.... أنا اتحدث مع نفسي... قلت (اجى الفرج) إلى أن سمعت صوتاً خشناً مليئ بالجدية قال: (رُخَصِكْ).
العبرة المستفادة من هذه القصة..
* كثيراً من الاشياء المزعجة بحياتنا يجب علينا تجاهلنا كما تجاهل الشرطي كل تلك الضوضاء.
* لا تضغط على نفسك كثيراً وتحملها فوق طاقتها كما فعلت بزامور السيارة.
* لا تتدخل بأشياء يمكن أن تعود عليك بالضرر مثل سؤالي للشرطي وانهائه بمخالفة.
وللآن ما زال البحث جارٍ عن سبب عدم استجابة الشرطي للزامور!!!