بوليفيا بعد الانتخابات: كيف ينعكس صعود اليمين على القضية الفلسطينية؟
صنارة نيوز - 30/10/2025 - 10:16 am / الكاتب - د راسم البشارات
بوليفيا بعد الانتخابات: كيف ينعكس صعود اليمين على القضية الفلسطينية
د. راسم بشارات - دكتوراه في دراسات غرب اسيا ومختص في الشأن اللاتيني
في التاسع عشر من أكتوبر الحالي 2025، فاجأت بوليفيا العالم بانتخاب رودريغو باز، مرشح يمين-الوسط من الحزب الديمقراطي المسيحي البوليفي Partido Demócrata Cristiano de Bolivia PDC، رئيسا جديدا للبلاد، منهية بذلك نحو عقدين من الحكم اليساري بقيادة حزب الحركة نحو الاشتراكية Movimiento al Socialismo - MAS
المفاجأة لم تكن داخلية فحسب، بل كانت دبلوماسية أيضا، إذ أنه بعد ساعات من إعلان النتائج، سارعت إسرائيل إلى تهنئة الرئيس المنتخب رسميا، في خطوة تم تفسيرها على أنها محاولة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعد قرار بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2023.
ذلك الحدث لم يكن عابرا، بل مثل بداية فصل جديد في توازنات أمريكا الجنوبية تجاه القضية الفلسطينية، حيث تتقاطع الأيديولوجيا الداخلية مع التحالفات الخارجية في معادلة شديدة الحساسية.
من إرث الاشتراكية إلى بوادر التحول
لعقود، كانت بوليفيا أحد أعمدة التضامن اللاتيني مع فلسطين. ففي عهد الرئيس اليساري إيفو موراليس، قطعت بوليفيا العلاقات مع إسرائيل عام 2009 احتجاجا على حرب “الرصاص المصبوب”، ثم عادت لتكرر الخطوة نفسها في نوفمبر 2023، في عهد الرئيس لويس آرسي، متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة.
كما رفعت بوليفيا صوتها في المحافل الدولية، إذ قدمت مذكرة إلى محكمة العدل الدولية تصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه غير قانوني، لتصبح من أكثر دول القارة انحيازا للقضية الفلسطينية.
هذا الموقف المتجذر جعل بوليفيا رمزا للضمير اليساري اللاتيني، تقف إلى جانب فلسطين ليس فقط سياسيا، بل كجزء من خطابها المناهض للإمبريالية والتبعية للغرب.
رودريغو باز وحزب اليمين الجديد: براغماتية بلا أيديولوجيا
صعود رودريغو باز أعاد خلط الأوراق، إذ أن الرجل القادم من خلفية يمين-وسط مسيحية ديمقراطية لا ينتمي إلى مدرسة اليسار الثوري، بل إلى مشروع إصلاحي اقتصادي يرفع شعار “رأسمالية للجميع” ويراهن على الانفتاح الخارجي، فقد ركز باز في برنامجه الانتخابي على إعادة بوليفيا إلى العالم، وجعل من تحسين العلاقات الدولية ركيزة أساسية في سياسته.
وعلى عكس الرؤساء السابقين، لا يبدو أن باز ينوي تحويل السياسة الخارجية إلى منبر أيديولوجي، بل إلى أداة براغماتية لاستقطاب الاستثمارات وتعزيز العلاقات مع الغرب، ومن ضمنه إسرائيل.
من هذا المنطلق، يمكن قراءة التهنئة الإسرائيلية المبكرة على أنها اختبار مبكر لنوايا الرئيس الجديد، وفرصة لإسرائيل لاستعادة موطئ قدم في أمريكا الجنوبية بعد أعوام من العزلة الدبلوماسية في المنطقة.
ما الذي يتغير في لاباز مع تولي باز للسلطة
إعادة التموضع الدبلوماسي
مع تولي رودريغو باز الحكم في بوليفيا، من المحتمل أن تتحول بوليفيا من موقعها كصوت معارض شرس لإسرائيل إلى موقف أكثر توازنا أو حيادا. وهذا نابع من أن الحزب الديمقراطي المسيحي لا يحمل إرثا أيديولوجيا مناهضا لإسرائيل، كما أن برنامجه يركز على الاقتصاد لا على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ومن المرجح أن تبدأ خطوات إعادة التواصل الدبلوماسي أو التجاري مع إسرائيل بشكل سريع كجزء من الانفتاح الخارجي الموعود.
استثمار إسرائيل هذا التحول
من الواضح أن التهنئة الإسرائيلية لم تكن مجرد مجاملة سياسية. إذ أن بيان الخارجية الإسرائيلية قد تحدث عن “فتح صفحة جديدة وتعزيز التعاون” وهو يعد إشارة استباقية لاستثمار سياسي.
ومما لا شك فيه أن إسرائيل تدرك أن فوز باز يعني تراجعا في صوت بوليفيا المناهض لها داخل المنظمات الدولية، وربما يكون فرصة لتوسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة.
الداخل البوليفي: مقاومة شعبية محتملة
رغم هذا الاتجاه الجديد، ستصطدم حكومة باز بمعارضة داخلية، إذ إن الشارع البوليفي ما زال متعاطفا بشدة مع فلسطين. فالمنظمات الشعبية، والتيارات اليسارية، وممثلو الشعوب الأصلية، جميعهم يعتبرون القضية الفلسطينية جزءا من الهوية النضالية للبلاد.
لذلك، من المرجح أن يتبنى باز خطابا مزدوجا يتمثل في انفتاح خارجي عملي، مع الحفاظ على لهجة تضامنية رمزية في المحافل العامة لتفادي الصدام الداخلي.
التأثير الإقليمي
إذا تحولت بوليفيا عن موقفها السابق، فإن ذلك قد يشكل تراجعا في الكتلة الداعمة لفلسطين في أمريكا اللاتينية، خاصة مع المواقف المتقلبة في البرازيل والأرجنتين.
وبينما تحتفظ بعض الحكومات اليسارية، مثل فنزويلا وتشيلي وكولومبيا، بخطاب داعم، فإن تحول بوليفيا نحو الحياد قد يضعف التوازن الإقليمي الذي كان يميل لصالح الفلسطينيين في المحافل الدولية.
انعكاسات على القضية الفلسطينية
يمثل صعود الرئيس باز إلى السلطة في بوليفيا تحولا نوعيا لا يمكن تجاهله، خاصة وأن بوليفيا كانت من الدول القليلة التي استخدمت نفوذها في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية لدعم الفلسطينيين، وغياب هذا الصوت سيترك فراغا دبلوماسيا في أمريكا اللاتينية.
ومع ذلك، لا يبدو أن التحول سيكون قطيعة كاملة، إذ أن باز يدرك أن التراجع المفاجئ عن الموقف التضامني قد يكلفه سياسيا داخليا، لذلك قد يفضل الانتقال البطيء نحو سياسة أكثر براغماتية، توازن بين دعم مبدئي للفلسطينيين وتطبيع تدريجي مع إسرائيل.
خاتمة: بوليفيا بين المبادئ والمصالح
تقف بوليفيا اليوم عند مفترق طرق؛ بين إرث يساري نضالي جعلها صوتا مدويا لفلسطين في أمريكا الجنوبية، وبين رؤية يمينية جديدة تسعى إلى إعادة الارتباط بالغرب والانفتاح على إسرائيل.
التحول في لاباز ليس مجرد تبدل في الخطاب، بل انعكاس لتحول أعمق في أولويات الدولة، من الأيديولوجيا إلى المصلحة، ومن التضامن المبدئي إلى الدبلوماسية الاقتصادية.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فالمعركة لم تعد فقط في الميدان، بل أيضا في ساحات السياسة اللاتينية، حيث يمكن القول بأن تغير موازين القوى يمكن أن يعيد تشكيل خرائط الدعم الدولي.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستحافظ بوليفيا على جذورها التضامنية، أم أن الانفتاح على إسرائيل سيكون فاتحة لمرحلة جديدة من البراغماتية اللاتينية التي تعيد تعريف معنى “الوقوف إلى جانب فلسطين”!!!.



