عيد الأم: يوم العبث بالمشاعر

صنارة نيوز - 20/03/2025 - 11:47 am  /  الكاتب - منار الزواهره

إذا كنت تعتقد أن عيد الأم هو مجرد يوم آخر لتقدير الأمهات، فأنت بالتأكيد لم تُدرك بعد كم هو معقد! 

عيد الأم بالنسبة لمن فقد أمه هو تمرين قاسي في تذكير الذات بأن الحياة لا تراعي مشاعرنا، بينما يلهو الجميع بتقديم الهدايا والزهور للأمهات، يتنقل هؤلاء بين محلات الزهور وكأنهم يبحثون عن هدية خيالية للأم التي لم تعد موجودة.

في هذا اليوم، يصبح الفيسبوك ساحة معركة، حيث تتناثر صور الأمهات مع تعليقات مثل "أمي، أنتِ أفضل شخص في العالم"، بينما يراقب هؤلاء بصمت، وهم يتساءلون: "هل سيتوقف الناس عن ذكر أمهاتهم في كل لحظة؟" في النهاية، يصبح اليوم مجرد تذكير مؤلم بأنك لا تستطيع شراء هدية للأم التي رحلت، ولكنك تستطيع أن تبتسم بحزن وأنت تتمنى لو أن هذه اللحظة كانت مجرد كابوس . 

دعني أخبرك أن عيد الأم ليس مجرد يوم للاحتفال، بل هو سباق ماراثوني يتضمن التسوق، الحيرة في اختيار الهدية المثالية، وحيرة أخرى في كيفية إظهار "التقدير" دون أن تظهر أنك نادم على كل لحظة تأخير.

فبالمرحلة الأولى تدرك أن عيد الأم قد اقترب، تبدأ مرحلة الهلع. نعم، كما لو أن الإشارة المنبهة للكارثة قد دقت. لا يمكنك التهرب هذه المرة، تبدأ بتقليب التقويم وتفكر: "هل يمكنني النجاة من هذا اليوم؟" لكنك تعلم في قرارة نفسك أن "لا" ستكون الإجابة. كما تعلم ...

لا يمكن أن تمر مرور الكرام دون أن تسجل اسمك في سجلات الشرف لأبناء البر، أو على الأقل أن تظهر في صورة "الحفلة" الكبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

في هذه اللحظة، تبدأ أولى خطواتك نحو اختيار الهدية، هل ستشتري شيئًا تقليديًا مثل الزهور؟ أو هل ستدخل في مغامرة شراء هدية مبتكرة؟ سؤال صعب، ولكن الجواب واضح: ستنتهي بك الأمور إلى شراء هدية يتخيل لك أنها ستغير حياة أمك للأبد، ولكن في الواقع، هي ليست سوى شال مزخرف بألوان قديمة .

هنا نبدأ بالمرحلة الثانية: التسوق بنوايا حسنة… في البداية الذهاب إلى المتاجر في يوم عيد الأم يشبه الذهاب إلى معركة عسكرية. أولاً، هناك جحافل من المتسوقين الذين كانوا ينسون عيد الأم طوال العام، ولكنهم الآن يركضون على الأرفف بحثًا عن آخر زهور ملوّنة أو علبة شوكولاتة مبتذلة. لا شك أن المتجر مليء بالأجواء الاحتفالية: فبعض البطاقات مكتوبة عليها "لكِ يا أمي، أفضل إنسان في العالم"، بينما تختبئ خلفها كمية من الهديا التي قد تشكك في حقيقة الكلمات المكتوبة عليها

في هذه اللحظة، تبدأ بالتفكير في "إذا اشتريت لها هذه الحقيبة الجديدة، هل سأكون الابن المفضل لعام 2025؟". لكن بعد بضع دقائق من البحث المضني، تختار أخيرًا هدية "غير تقليدية"، مثل جهاز تدليك للقدمين. نعم، هذا بالضبط ما ستحتاجه أمك بعد أن تكون قد قضيت يومًا مليئًا بالنصيحة حول كيفية "تحسين وضع جسمها". لتنتقل للمرحلة الثالثة: وهي كتابة البطاقة تأتي اللحظة التي تكون فيها على وشك كتابة البطاقة تتذكر أنه يجب أن تكون مشاعر حقيقية كيف يمكنك أن تكون عاطفيًا دون أن تكون مبالغًا؟ لأن أمي لا تحب المبالغة، لكنها في الوقت نفسه لا تمانع في أن تتضمن البطاقة كلمات مثل "أنتِ السبب في حياتي، وأنتِ أكثر من كل شيء". هذه الكلمات قد تكون حقيقية، ولكن، كما تقول، في النهاية ستنتهي بتسليمها بطاقة مكتوب عليها "شكرًا لكونك أمي"، ثم تتراجع وتكتفي بعبارة "أنتِ عظيمة!"... فكل شيء يمكن أن يكون عظيمًا عندما تُقال هذه الكلمة ، وفجأة وعند البعض تتذكر ان والدتك لا تعرف القراءة ولا الكتابة لتسأل نفسك كيف سأعبر عما كتبته بالبطاقة شفويا حيث اننا لا نجيد الافصاح عما بداخلنا بالكلام فنلجأ للكتابة .

لننتقل للمرحلة الرابعة وهي مرحلة الاعتراف بالهدايا المزيفة وهي لحظات تسمى

( لن أسمح لك برؤية قلبي ) 

الجزء الأكثر إثارة في هذا اليوم عندما تأتي لحظة تقديم الهدية: أولًا، عليك أن تعيش في حالة من الذعر حتى تعرف ما إذا كانت أمك ستحب الهدية أم ستكتشف أن العطر الذي اشتريته "قديم جدًا" ثم تراقب رد فعلها بنظرة حذرية شديدة لتقييم "لحظة الحقيقة". إذا ضحكت وقالت "واو! هذا هو بالضبط ما كنت بحاجة إليه"، فأنت منتصر، ولكن إذا كانت الابتسامة زائفة، وتبدأ في النظر إلى الهدية وكأنها ترقية عاطفية لا تملك أية علاقة بعالم الواقع، فاعلم أنك على الأرجح دخلت في المنطقة الخطرة بالطبع، ستضطر إلى إلقاء بعض الكلمات العاطفية مثل: "أنتِ حقًا المُلهمة لي في الحياة" لكي تخفف من أثر النكسة المحتملة.

أذكر انني في أحد تلك الاعياد وبعد تفكير عميق وجهد مبذول قدمت لوالدتي مسبحة مصنوعة من حجر الفيروز وعيناي تراقب ردة فعلها اثناء فتح الهدية كما كان هاتفي يوثق تلك اللحظة بفيديو عفوي للاحتفاظ به للذكرى ، الا أنّ ردة فعلها عندما اخرجت المسبحة من علبة الهدايا الفاخرة ، قالت وبصوتٍاستنكاري : ( شو ثقيلة هالمسبحة ) وانا كرد فعل طبيعي ابتسمت وعيناي قد ترغرغت بالدموع لان الهدية قد اعجبتها ، الا ان اكملت الجملة بقولها ( كيف بدي اسبّح فيها .. بتوجعلي اديَّا من ثقلها) لاشعر هنا بالنكسة لا بل بالصفعة التي حطمت وجهي وقلبي وكبريائي امام من كانوا حاضرين الموقف والذين كانت اجسامهم تهتز من الضحك على موقفي ... نعم انهم ( العائلة) .

لنصل للمرحلة الاخيرة وهي احتضان التقدير غير المكتمل

في نهاية اليوم، بعد كل هذا الصراع، ستكون في حالة من النشوة الزائفة بأنك قد قمت بأداء واجبك كمحب عظيم. لكن، كما تعلم، كل هذا سيكون مجرد سحابة سريعة فوق الأفق. التقدير الحقيقي لا يحدث في يوم واحد سترغب في الاحتفال بهذا "اليوم العظيم"، ولكن الحقيقة هي أنك ستعود إلى الواقع: "أمي، كيف حالك؟ هل يمكنك مساعدتي في ترتيب الأشياء؟" نعم، ببساطة، عيد الأم هو مجرد بداية لفترة من التقدير غير المكتمل، وسيتعين عليك تكرار هذه العملية كل عام

عيد الام في الحقيقة هو مغامرة عاطفية مليئة بالارتباك والتحدي. رغم كل شيء، ستبقى الأم هي الكائن الذي لا يمكن تجاوزه ولا يمكن مقارنة أي هدية بتضحياتها، ومع ذلك، سيبقى يوم عيد الأم هو اليوم الذي لا يمكنك الهروب منه... ولكنك على الأقل ستستمتع ببعض الضحك على نفسك أثناء محاولاتك الجادة لجعل هذه اللحظة مثالية