تحقيق دولي يكشف “القتل الميداني” في نقاط التوزيع الأمريكية – الإسرائيلية بقطاع غزة

صنارة نيوز - 26/07/2025 - 9:58 pm

أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” تحقيقًا ميدانيًا خطيرًا بعنوان: “القتل الميداني داخل نقاط التوزيع الأمريكية – الإسرائيلية”، أعدته الباحثة القانونية لبنى ديب. تناول التحقيق الواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة في ظل ما يُطلق عليه مراكز توزيع المساعدات، التي أصبحت بؤرًا للموت اليومي خلال حرب طوفان الأقصى 2025.

ويكشف التقرير من خلال شهادات حية، وتحليلات طبية، وبيانات موثقة، أن ما يسمى بـ”مراكز التوزيع” تحوّلت إلى ساحات قتل ميداني تُمارَس فيها الإعدامات العلنية بحق الجياع من المدنيين، تحت ستار العمل الإنساني.

المؤسسة التي بدأت من منتدى “مكفيه إسرائيل”
يعود تأسيس “مؤسسة غزة الخيرية” إلى منتدى غير رسمي تشكل في تل أبيب في ديسمبر 2023، يضم ضباط احتياط ورجال أعمال ومستشارين مقربين من الحكومة الإسرائيلية. هدف المنتدى كان خلق بديل لمؤسسات الأمم المتحدة في توزيع المساعدات داخل قطاع غزة.

تم التواصل لاحقًا مع فيليب رايلي، ضابط سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، لقيادة المشروع. وفي فبراير 2025، تأسست المؤسسة رسميًا في جنيف بدعم مباشر من الحكومة الأمريكية، وبدأت عملياتها في مايو من العام نفسه، تحت غطاء “الإغاثة الإنسانية”.

رغم عدم امتلاكها لأي سجل سابق في العمل الإنساني، حصلت المؤسسة على تمويلات خارجية تجاوزت عشرين ألف فرنك سويسري، وعيّنت طاقمًا إداريًا من شخصيات لها خلفيات عسكرية وأمنية واضحة، أبرزهم:

جيك وود، المدير التنفيذي، جندي سابق في المارينز.
ديفيد بيرك، مدير العمليات، من فريق “روبيكون”.
جون أكري، رئيس البعثة، مسؤول سابق في USAID.
بالإضافة إلى مجلس استشاري يضم جنرالات أمريكيين ومسؤولين سابقين في الأمم المتحدة.
مراكز التوزيع: مناطق موت تحت السيادة الإسرائيلية
رغم الادعاءات بأن هذه المراكز “مناطق إنسانية مدعومة”، تكشف التقارير أن الواقع مختلف تمامًا. النقاط موزعة على عدة مناطق في قطاع غزة، منها:

رفح
شمال غزة
شارع الطينة
نيتساريم
زيكيم
وبينما كانت هذه المناطق مُصنفة “إنسانية”، فإنها على أرض الواقع تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، وتتبع منظومة أمنية صارمة تحوّلت إلى أدوات قتل مباشر.

من الإغاثة إلى الإعدام الميداني
منذ افتتاح مراكز التوزيع في 27 مايو 2025 وحتى 1 يوليو 2025، وثقت “حشد” وقوع ما لا يقل عن 972 شهيدًا، وأكثر من 4,278 إصابة، بفعل استهداف المدنيين أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات.

في كل يوم جديد، كانت تتزايد أعداد الضحايا، لدرجة أنه في بعض الأيام تجاوز عدد الشهداء 50 شخصًا، كما في 11 يونيو الذي شهد استشهاد 57 مواطنًا وإصابة 363 آخرين. وتشير شهادات حية من الميدان أن بعض الإصابات لم تكن عشوائية، بل كانت موجهة بدقة إلى مناطق قاتلة.

الذخيرة الحية والأوامر غير المعلنة
يكشف أحد المتعاقدين الأمريكيين الذي كان يعمل ضمن الفريق الأمني للمؤسسة، أن تعليمات القيادة كانت غامضة ومتناقضة. فقد أُخبروا أن مهمتهم إنسانية بحتة، لكن سرعان ما تبيّن أن السلاح كان حاضرًا، والذخيرة كانت تُستخدم ضد المدنيين.

الشهادات تؤكد استخدام رصاص حي، وقنابل صوتية، وغازات حارقة لتفريق الجياع، مما أدى إلى إصابات قاتلة. لم يتم تدريب المتعاقدين على استخدام هذه الأدوات، بل تم زجهم في ساحة حرب بغطاء “الإغاثة”.

تحليلات طبية تكشف النية في القتل
أطباء من مستشفيات القطاع تحدثوا لـ “حشد” عن طبيعة الإصابات التي تصلهم من نقاط التوزيع. تؤكد التقارير أن الإصابات تتركز في:

الشريان الفخذي، ما يؤدي إلى نزيف حاد يفضي إلى الوفاة خلال دقائق.
الصدر، مما يسبب نزيفًا داخليًا واسترواحًا صدريًا.
الرأس، حيث وثقت حالات نزيف دماغي وكسور في الجمجمة.
الدكتورة يارا أبو مر، أخصائية جراحة، أوضحت أن نمط الإصابات يدل على “استخدام مفرط للقوة القاتلة” واستهداف متعمد لمناطق تشريحية حيوية.

ما وراء المساعدات: رقابة أمنية، إذلال جماعي، وقتل بصمت
نقاط التوزيع تخضع لإجراءات أمنية صارمة:

تفتيش جسدي كامل.
بصمة عين وتقنية التعرف على الوجوه.
تفتيش النساء من قبل موظفات أمن.
منع الحضور بالنيابة، حتى للمسنين والمرضى.
يتم تسيير كل مواطن بشكل فردي في ممرات ضيقة تشبه “الحلابة”، مع السماح للأمن الإسرائيلي والأمريكي بإيقاف واستجواب أي شخص.

حتى عائلات الشهداء تتعرض لتدقيق خاص قد ينتهي بالاعتقال أو التحقيق.

الغذاء مقابل الذل… وشهادات حية من قلب المجاعة
يتحدث المواطنون عن المشهد المأساوي داخل المراكز. أبو علي، أحد سكان غرب رفح، يقول: “أركض مسافة كيلومترين للحصول على كيس طحين… الناس تمزق بعضها بالسكاكين… نعود مصابين، جائعين، مذلولين”. بينما قال آخر: “أحمل سكينًا كي لا يُسرق مني الطعام… رأيت رجلًا يُطعن في رقبته ويموت دون تدخل أحد”.

مؤسسة “القتل الخيري” في مواجهة القانون الدولي
التحقيق يخلص إلى أن ما تقوم به مؤسسة غزة الخيرية لا يمت للعمل الإنساني بصلة، بل هو مشروع استخباري عسكري مغلف بمصطلحات الإغاثة. وتطالب “حشد” بما يلي:

وقف فوري لجميع عمليات المؤسسة داخل القطاع.
محاسبة المسؤولين عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
إعادة الإشراف الكامل على المساعدات إلى الأمم المتحدة ووكالة الأونروا.
فتح ممرات إنسانية عاجلة وآمنة دون تدخلات أمنية.
خرق وقف إطلاق النار… والبديل الدموي
تشير التحقيقات إلى أن انطلاق عمل المؤسسة جاء بعد خرق واضح لقرار وقف إطلاق النار في 18 مارس 2025، حين شنت قوات الاحتلال هجومًا واسعًا أسفر عن مئات الشهداء. بعدها بأسابيع، بدأت مراكز التوزيع نشاطها وسط حالة إنسانية متدهورة واستغلال فاضح لحالة الانهيار العام في غزة.

في الختام
الهيئة الدولية “حشد” تدعو المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف هذه الجريمة الممنهجة. إن استمرار القتل الميداني في ظل التجويع والخذلان الدولي، يمثل وصمة عار في جبين الإنسانية، ويجب ألا يبقى بلا عقاب.

“مراكز الموت يجب أن تُغلق، والمجرمون يجب أن يُحاسبوا”، هكذا يختم التحقيق، برسالة إنسانية واضحة مفادها أن غزة ليست ساحة للتجارب الأمنية، بل موطن لأرواح تبحث عن الحياة.

الدراسة كاملة