تكامل اقتصادي ممكن… إذا بدأنا بخطوة صغيرة

صنارة نيوز - 16/08/2025 - 1:13 pm  /  الكاتب - وائل منسي

 

فكرة الاندماج أو التكامل الاقتصادي بين الأردن وسوريا أو بين الأردن والسعودية تبدو مغرية وذات جاذبية خاصة في هذا التوقيت، لكن من الناحية العملية ليست بهذه السهولة، إذ إن أي مسار من هذا النوع يواجه تحديات تشريعية وتنظيمية معقدة تتعلق بالجمارك والضرائب والمواصفات وقوانين الاستثمار والعمل، فضلًا عن الفوارق الكبيرة في البيئة الاقتصادية لكل دولة. الأردن مثلًا يمتلك اقتصادًا صغيرًا نسبيًا يعتمد على الخدمات والتجارة والترانزيت ويعاني من مديونية وضغوط مالية، بينما تعاني سوريا من آثار الحرب وتضرر البنية التحتية والعقوبات الدولية التي تم تخفيفها تدريجيا في الآونة الأخيرة، في حين تشكل السعودية سوقًا ضخمة برأس مال وفير لكنها تخضع لمعايير صارمة في الجودة والامتثال.

 هذه الفوارق تجعل أي اندماج شامل أمرا بعيد المدى، لكنه لا يمنع إطلاق خطوات صغيرة تدريجية يمكن أن تتحول إلى نموذج ناجح للتوسع لاحقًا.

الفرص موجودة بوضوح، فإمكان بناء سلاسل قيمة إقليمية في قطاعات مثل الصناعات الدوائية والغذائية ومواد البناء قائم، حيث يمكن أن تتكامل كفاءات التصنيع السوري مع خبرات التعبئة والاعتماد الأردني، ثم النفاذ إلى السوق السعودي بما يملكه من قدرة شرائية وتمويل.
 ويمكن للأردن أن يلعب دور المحور اللوجستي عبر ممرات برية وبحرية تنظم حركة البضائع وتقلل الكلف والفاقد، فيما يشكل قطاع الزراعة مجالًا آخر للتكامل عبر استثمار الأراضي والمياه السورية، والتقنيات الأردنية، والسوق السعودي كوجهة نهائية. كما يتيح الربط في مجالات الطاقة والمياه فرصًا عملية من خلال مشروعات مشتركة للطاقة المتجددة والتحلية، في حين يمكن للخدمات الصحية والتعليمية والتكنولوجيا أن تصبح منصات إضافية للتعاون.

الطريق الأكثر واقعية يبدأ بخطوة أو خطوتين لا أكثر، مثل إنشاء ممر لوجستي منضبط لعدد محدود من السلع مع اعتراف متبادل بالمواصفات، أو إقامة منطقة صناعية وزراعية صغيرة على الحدود تجمع بين المنتج السوري والمصنّع الأردني والموزع السعودي في إطار تعاقدي واضح. 
هذه النماذج إذا أثبتت نجاحها من حيث خفض زمن العبور والكلفة وزيادة حجم التجارة وتوليد وظائف، فإنها ستصبح نواة طبيعية يمكن البناء عليها وتوسيعها تدريجيًا.

 فالاندماج الاقتصادي لا يتحقق دفعة واحدة، بل عبر مسار طويل من التجريب والتدرج، والنجاح يبدأ عادةً من نموذج صغير يبرهن على جدواه بالأرقام قبل أن يتوسع ليشمل قطاعات أوسع وشراكات أعمق.