كما لا تُمنح القيادة بلا تدريب… لا ينبغي أن يُمنح السلاح بلا سلامة تحديث تشريع الأسلحة في الأردن ضرورة لحماية الأرواح

صنارة نيوز - 21/09/2025 - 9:10 am

الصناره نيوز - خاص

 

 

يشكّل تنظيم الأسلحة النارية أحد أكثر الملفات حساسية في أي دولة، لما له من أثر مباشر على أمن المجتمع واستقراره. في الأردن، ما زال هذا الملف يخضع لقانون الأسلحة النارية والذخائر لسنة 1952 وتعديلاته، وهو نص قانوني قديم وُضع في مرحلة تاريخية مختلفة، حين كانت طبيعة المجتمع الأردني وظروفه الأمنية والسياسية مغايرة تمامًا لواقعنا الحالي. وعلى الرغم من إدخال بعض التعديلات الإجرائية، فإن جوهر القانون ما يزال بعيدًا عن الممارسات الحديثة المتبعة في العديد من الدول.
فالقانون الأردني، في صورته الحالية، يضع مجموعة من الشروط الإدارية لحيازة السلاح أو حمله، مثل: بلوغ سن الحادية والعشرين، عدم وجود سوابق جنائية، والحصول على موافقة وزير الداخلية أو من يفوضه. كما يلزم التاجر بتسجيل بيانات المشتري ورقم الرخصة، ويحدد أنواع الرخص بين حمل واقتناء واتجار وصنع. لكن اللافت أن القانون لا يشترط على طالب الترخيص أي تدريب إلزامي على التعامل مع السلاح، أو اجتياز اختبار في قواعد السلامة العامة، أو الخضوع لبرنامج توعوي قصير المدى على الأقل.

هذا الفراغ التشريعي يثير تساؤلات جوهرية، خصوصًا في ضوء الحوادث المتكررة التي يشهدها الشارع الأردني نتيجة سوء استخدام الأسلحة أو الجهل بكيفية تخزينها والتعامل معها، فكما لا يمكن أن نمنح شخصًا رخصة قيادة من دون أن يجتاز تدريبًا عمليًا ونظريًا، كيف يُعقل أن يُمنح آخر رخصة حمل سلاح ناري، وهو لا يملك الحد الأدنى من المعرفة بقواعد السلامة أو الاستخدام القانوني؟
التجارب المقارنة تثبت أن إدخال عنصر التدريب على غرار مراكز تدريب السواقة ويمكن أن تكون تابعة لمؤسسة المتقاعدين العسكريين   ضمن منظومة الترخيص يُشكّل فارقًا حقيقيًا في تقليص معدلات الحوادث. ففي كندا مثلًا، لا يمكن لأي شخص الحصول على رخصة سلاح إلا بعد اجتياز "دورة السلامة الكندية للأسلحة النارية"، وهي برنامج قصير يجمع بين الشرح النظري والتطبيق العملي، يتناول التخزين، الاستخدام المسؤول، والتشريعات ذات الصلة. وفي ألمانيا، يخضع طالب الترخيص لدورة مطولة تشمل الجوانب القانونية والأخلاقية والفنية، يعقبها اختبار دقيق. حتى بعض الولايات الأميركية، برغم اختلاف فلسفة السلاح هناك، تشترط برامج تدريبية لضمان سلامة المجتمع.
في المقابل، يلاحظ أن الدولة الأردنية قد حققت تقدمًا ملحوظًا في ميادين أخرى مرتبطة بالسلامة العامة؛ فإجراءات ترخيص المركبات، ورخص القيادة، والرقابة المرورية، كلها مجالات شهدت تطورًا مؤسسيًا وقانونيًا ملموسًا خلال العقود الماضية. أما في ملف الأسلحة، فما زالت الفجوة قائمة، إذ يُنظر إلى السلاح في بعض البيئات باعتباره إرثًا اجتماعيًا أو رمزًا تقليديًا، أكثر منه أداة خطرة تحتاج إلى ضبط محكم وتدريب إلزامي.

إن إدخال بند التدريب ضمن إجراءات الترخيص لا يعني تقييد حق المواطن في اقتناء السلاح المرخّص، وإنما يعكس إدراك الدولة لمسؤولياتها في صون الأمن وحماية الأرواح. فكما أن رخصة القيادة لم تُلغِ حق المواطن في امتلاك سيارة، لكنها أوجدت ثقافة سلامة مرورية، فإن رخصة السلاح المشروطة بالتدريب ستؤسس لثقافة مسؤولية أشمل.

إن الوقت قد حان لمراجعة التشريعات الأردنية في هذا المجال، وتضمينها نصوصًا صريحة تشترط على طالب الترخيص اجتياز تدريب أساسي في قواعد السلامة والاستخدام المشروع، مع إشراف أمني وقانوني واضح. هذا التحديث سيكون خطوة نوعية تغلق فجوة قائمة منذ عقود، وتوازن بين احترام الحق الفردي في امتلاك السلاح وبين المصلحة العامة في حماية المجتمع من سوء الاستخدام.